عدوية الهلالي.. قبل سنوات ، كان من يزور قضاء عين التمرفي محافظة كربلاء لابد وان يقطع رحلة جميلة تنتهي بقضاء نهار ممتع في القضاء الشهير بعيونه المعدنية الرائقة وبساتين النخيل والرمان المنتشرة فيه ..كان لابد ان تطالعه اولا بحيرة الرزازة بمياهها داكنة الزرقة ثم يمر على حصن الاخيضر التاريخي وقد لاتنتهي جولته في قضاء عين التمر بل يزور المراقد الدينية القريبة منه وآثار القصور والكنائس القديمة ، لكن الحال لم يعد كما كان في السنوات الأخيرة اذ تحولت بحيرة الرزازة الى حوض ملحي صغيرتحف به الادغال والنفايات وجفت العيون الكبريتية واهملت بساتين النخيل وغابت عن القضاء معالمه السياحية العديدة ..كيف تحول قضاء ( عين التمر ) الى قضاء يشكو شيخوخة اشجار النخيل وهل هنالك فرصة لاعادة الحياة اليه ؟…
لمحات تاريخية
قال عنه ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان) :” عين التمر او شثاثة هي بلدة قريبة من الانبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شثاثة يجلب منه القصب والتمر الى سائر البلاد وهي قديمة افتتحها المسلمون في ايام الخليفة ابي بكر الصديق على يد خالد بن الوليد في سنة 12 للهجرة ، وتتواجد فيها عيون الماء النقية التي تتدفق من باطن الارض منذ الاف السنين وبها انواع نادرة من الاسماك الصغيرة والملونة ، وتعتبر عين التمر من اهم واجمل الواحات الصحراوية وفيها انواع مختلفة من بساتين التمر وقد ولد فيها شاعر الزهد والحكمة ابو العتاهية .. ، ويقع قضاء عين التمر غرب مدينة كربلاء بحوالي 70 كيلو متر بعد المفرق الذي يؤدي الى الحدود السعودية والمسمى ( طريق الحج البري ) وتحده من الغرب منطقة شريش ومحافظة الانبار ومن الشرق منطقة الطار ويسمى ايضا ( طار السيد) كما يحدها من الشمال بحر الملح وهور ابي دبس ومن الجنوب منطقة السلام ..ويعتاش القضاء على النخيل والزراعة وبعض انشطة السياحة الدينية لوجود مزارات ومقامات اسلامية فيه وسياحة تاريخية لوجود قصور وقلاع تاريخية من اهمها قصر الاخيضروقصر شمعون اللخمي وشواهد تاريخية مثل كهوف الطار وكنائس ومقابر مسيحية مثل ( القصير ) و( البرودويل) فضلا عن السياحة العلاجية لوفرة العيون المعدنية في الواحة ..
وتذكر مصادر تاريخية ان اسم ( شثاثا) جاء من هجرة الناس بسبب الجفاف او الحروب لينتقلوا الى عيون اخرى بطريقة مشتته اذ نزحوا شتاتاعلى شكل فئات وهكذا تحولت التسمية الى شثاثا كما يطلق عليها عامة الناس ..ومن أهم المقامات الدينية فيها مقام الامام الحسن (ع) ومقام دوسة الامام علي (ع) ومقام زين العابدين (ع) او مرور السبايا وضريح احمد بن هاشم بن ابراهيم المجاب بن الامام موسى الكاظم (ع) وقطارة الامام علي (ع) …اما ابرز سمات القضاء فهي التكافل الاجتماعي بين سكانه والتزامهم حتى هذا اليوم بطقس يطلقون عليه ( الكصور) اي ( القصور) ويقوم على النزول في القصور القديمة بالقرب من مرقد احمد بن هاشم واقامة الولائم لجميع العشائر بدءا من الشهر التاسع وحسب جدول متفق عليه بين العشائر بأن تقيم كل عشيرة ولائمها بالتتابع بناء على نذر قديم بعد خلاصهم من الانكليز ..
زراعة صحراوية
وعن تغير وجه القضاء واختفاء معالمه السياحية تحدث عضو مجلس قضاء عين التمر الشيخ علي صايل سلمان المشهداني قائلا ان الاحتلال البريطاني كلف شخصا يدعى حسين الرفيع بادارة القضاء بصفة مندوب سامي عن الحكومة البريطانية فطلب من السكان زراعة فسائل النخيل ومن لايزرع منهم 50-100 فسيلة في العام يتم سجنه ، وهكذا انتشرت بساتين النخيل في القضاء وكان يتم سقيها بمياه العيون الكبريتية ، وقد عمد شيوخ المنطقة الى وضع دستور لضمان حقوق مالكي البساتين ومنع حدوث اي خلاف بينهم ، ومؤخرا ،قل منسوب المياه الجوفية للعيون التي كانت تجذب السائحين بجمالها بعد ان شحت مياه بحيرة الرزازة بل نضبت مياه بعضها تماما ، مادفعنا الى حفر آبار تدفقية لكنها نضبت أيضا ..وبعد الاحتلال الامريكي ، زارت القضاء فرقة ( BRDC) البولندية وحاولت تشغيل الابار بنصب مضخات عليها لكن المشروع لم ينجح أيضا فتراجعت زراعة النخيل في المنطقة خاصة وان العناية بالنخيل باتت مكلفة قياسا بانخفاض اسعار محصولها من التمر لذا هجرالسكان البساتين والتجأوا الى زراعة الاراضي الصحراوية.
واوضح المشهداني ان سكان القضاء كانوا يزرعون الحنطة في الشتاء في اراض تسمى ( طابو) خلال العهد العثماني وكانوا ينثرون الحنطة بايديهم في تلك الاراضي الخصبة وتحرثها الثيران وتسقيها مياه الامطار لكن الاعتماد الاكبر كان على زراعة بساتين النخيل ، وبعد تراجع تلك الزراعة قاموا بتقسيم اراضي أجدادهم على العشائر بمعدل 100-150 دونم لكل عائلة وقاموا بتثبيت عقود تحمل توقيعات المختار والشيخ والقائممقام لتفادي الخلافات وبدأت وزارة الزراعة بتزويدهم بمنظومات الري بالرش بالآجل ودون فوائد بعد ان يتم فحص التربة والماء كما تم تجهيزهم ببذور واسمدة مدعومة مقابل ان يقوموا بتسويق محصولهم للدولة واستلام ثمنه وتسديد ديونهم لها ووفق خطة زراعية لكن الدولة بدات مؤخرا بخفض اسعار المحصول وهكذا لم تعد زراعة الحنطة ايضا تسد تكاليفها ما سبب لهم احباطا كبيرا .
من جهته ، يرى مدير زراعة كربلاء رزاق الطائي ان قضاء عين التمر يشهد ثورة زراعية في انتاج محصول الحنطة بعد ان توسعت المساحة المزروعة الى اكثر من 40 الف دونم في ظل استخدام المرشات المحورية والثابتة متوقعا ان يسوق القضاء مايقارب 40 الف طن من محصول الحنطة خلال موسم 2018-2019 ، اذ حولت المرشات المحورية القضاء الى اهم منطقة منتجة للحنطة في محافظة كربلاء فضلا عن استخدام الاساليب العلمية في الزراعة بدءا من الحراثة والبذار والتسميد والمكافحة والسقي وتحت اشراف المختصين في مديرية زراعة كربلاء اضافة الى الدعم والاشراف المقدم من البرنامج الوطني لتنمية الحنطة في العراق ..
انعاش السياحة
ويبرر عضو مجلس القضاء الشيخ علي صايل المشهداني اندثار السياحة في القضاء على الرغم من مناشدتهم للدولة بتطويرها الى ضعف الميزانية واهتمامها بقطاعات اهم من السياحة كالتعليم والصحة وغيرها مادفعهم لمناشدة منظمات انسانية والتي أبدت رغبتها في المساعدة بعد الحصول على موافقة وزارة الموارد المائية وذلك بتغليف العيون بغطاء بلاستيكي يغطي ماء مصطنعا مع بناء مسبح وكافتيريا ونافورة وزراعة اشجار مناسبة ..وهو ماأكده قائممقام عين التمر رائد المشهداني في حديث صحفي بقوله ان هنالك تنسيقا مع منظمة الهجرة الدولية IOM لتنفيذ مشروع اعادة تاهيل العين الزرقاء اضافة الى تنفيذ أحد مشاريع الري بالانابيب في القضاء على الرغم من قلة تخصيصاتها المالية وتعهدها بانجاز المرحلة الثانية ( اعادة التأهيل) بعد تبني الحكومة المحلية ومديرية بلدية عين التمر بانجاز المرحلة الاولى (دفن وصيانة اكتاف العين) مضيفا أن حكومة القضاء ستبذل المزيد من الجهود من أجل اعادة عيون الماء الكبريتية الطبيعية في عين التمر لأنها ذات اهمية كبيرة على المستوى الاقتصادي والسياحي والزراعي بالاضافة انها تمثل هوية القضاء الحضارية.