مؤسسات المجتمع المدني العربي

    حسن السامرائي

    ان استمرار التفاعل والعلاقات بين اجزاء الكيان البشري هو الذي يبلور طريقة او اسلوبا للحياة بين البشر, ونمطا للتفاعل بينهم وبين بيئتهم. كما ينتج من استمرار التفاعل والعلاقات بين البشر في مكان معين, وبمرور الزمن, ما يسمى بالنظم او المؤسسات الاجتماعية. فهي مجموعة من القواعد والآليات تنظم سلوك الافراد والجماعات, وهم بصدد اشباع حاجاتهم وخدمة مصالحهم وتحقيق اهدافهم. وللمؤسسات دور متميز واثر كبير في ساكني المجتمع, بل تكاد تكون الحجيرات التي يتكون منها المجتمع. وهذه الحجيرات هي التي تحدد طراز البناء فيه وتقرره. والمؤسسات والنظم وليدة مباشرة للعقليات وهي تركز عليها, وعندما لا يكون التوافق بين هذه وتلك تاما يبدأ الاعتراض على النظم وتفقد من قوتها لان الناس لا يحترمون حقا الا القوانين التي يؤمنون بها. ويمكن ارغامهم على الطاعة لا على الموافقة, وعندئذ تبدأ المقاومات السافرة والخفية. بكلمة اخرى يوجد ترابط وثيق الصلة بين المؤسسات من جهة, والعقلية السائدة في المجتمع من جهة اخرى, لان المؤسسات تنشأ في وسط اجتماعي وحضاري معين, ولا يمكن ان تقوم بوظائفها على الوجه الاتم الا اذا تلاءمت مع عقلية الافراد والجماعات الذين يعيشون في هذا الوسط. ومع ذلك يمكن القول ايضا ان المؤسسات مع انها نتاج وسط حضاري واجتماعي معين فان بوسعها ان تقوم بالتأثير ايضا بدورها في هذا الوسط, او بعبارة اخرى ان المجتمعات التي توجد فيها قطاعات متفاوتة من ناحية التطور بوسع المؤسسة ان تمثل القطاع الاكثر تطورا فيها, وان تؤثر في القطاعات الاخرى الاقل تطورا. يتضح مما تقدم ان العلاقة بين المؤسسات والسلوك الاجتماعي للبشر علاقة متكاملة, فالأفراد محكومون بواقعهم الاجتماعي وادوارهم فيه. ومن ناحية اخرى على الرغم من تغير المؤسسات وتجسيداتها وانحلالها وموتها, فان من طبيعتها ان تدوم اكثر من معظم التجمعات.ذكر تعريف للمؤسسة في معجم روبير انها ((مجموعة الاشكال او البنى الاساسية لتنظيم اجتماعي كما قررها القانون او العادات في هيئة اجتماعية)). وتعرف بأنها ((مجموعة علاقات اجتماعية منظمة لاحتواء وتنظيم جهود الافراد من اجل تحقيق الاهداف المشتركة)).

    ان تنوع الحاجات في المجتمع يؤدي الى قيام مؤسسات متنوعة ومتعددة, كما ان كيفية اشباع هذه الحاجات تنبثق عنها مؤسسات من الطبيعة نفيها. يقول ج .د .هـ كول ((ان البشر يصنعون الجمعيات وينتسبون اليها وذلك لتحقيق ارضاء حاجاتهم المشتركة. وكل هدف من هذا القبيل او مجموعة اهداف تكون اساس الوظيفة للتجمع الذي اسس لتحقيق هدفه. كذلك بالنسبة لكل المؤسسات في المجتمع والتي لها اغراضها التي تعد الخطوة الرئيسية لتطورها. وتحقيق هذا الغرض هو بالضرورة اساس الوظيفة في المؤسسة.

    ومن البديهي ان تكون الجمعية او المؤسسة نفسها معقدة وذات اهداف متنوعة ومتصلة, لذا يكون لها وظائف متنوعة ومتصلة)). يطلق بعض الباحثين على المؤسسات الاجتماعية والنظم عبارة ((تكوينات اجتماعية)). فهي ((مجموعة بشرية تجمعها روابط خاصة, تضفي عليها قدرا معينا من التضامن الداخلي بين افرادها, وتجعلهم مهيئين للسلوك الجماعي طبقا لهذه الروابط وهذا التضامن الداخلي بين افرادها, وتجعلهم مهيئين للسلوك الجماعي طبقا لهذه الروابط وهذا التضامن سعيا وراء تحقيق مصالح خاصة بهذه المجموعة او مصالح عامة تهم مختلف فئات المجتمع. وهذه التكوينات قد تتشكل استنادا الى اسس موروثة, مثل معايير القرابة (الاسرة والعشيرة والقبيلة), ومعايير السلالة والعنصر.

    وقد تستند الى معايير دينية(المذهب والطائفة والطريقة), واخيرا قد تتشكل استنادا الى معايير إنجازية حديثة ترتبط بالقدرات والمهارات والتعليم  والمهنة والدخل, والموقع من العملية الانتاجية التي تقوم على اساس التخصص وترشيد الادارة)).

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة