حمزة مصطفى
دائما يسعفنا تراثنا الشفاهي الذي خلفه “أهلنا” لنا بمزيد من الأمثال. تلك الأمثال التي كانوا يتداولونها بينهم حتى وإن كانت في غالبيتها العظمى “بايخة” لكنها ذات مدلول لواقع الحال القديم ـ المتجدد, والذي يبدو إنه “باق ويتمدد”. من بين تلك الأمثال التي يحفظها كل العراقيين من مختلف الأديان والطوائف والمذاهب هو المثل القائل “الشك جبير والركعة زغيرة”. أعطني عراقي واحد من زاخو الى الفاو لايعرف هذا المثل بمن في ذلك متظاهرو تشرين الأول الحالي الذين ولد معظهم بعد عام 2003 حين كان الجميع يحلم بتصغير “الشك” وزيادة “الركعة”.
أنا أنتمي الى جيل لا شغل ولا عمل له سوى تكرار هذا المثل “الشك جبير والركعة زغيرة” منذ أكثر من ستين سنة. إنتهت الحرب الباردة, وسقط جدار برلين, ومات جيفارا, وتفكك الإتحاد السوفيتي, وفاز أنور السادات ومناحيم بيغين بجائزة نوبل للسلام, وظهرت إتفاقيات أوسلو وإحتلت أميركا العراق وجاء بريمر وخرج بريمر, وإستمرت البطاقة التموينية بالتزامن مع بدء ثورة الأصابع البنفسجية كل أربع سنوات, ودخلنا مواسم الجفاف مع موجات توسل بتركيا أن لاتغلق نهر دجلة وجاءت الفيضانات ووزعنا العدس في رمضان مع موجة توسل بتركيا أن تغلق دجلة الى أن “نشوف جارة ويه سد الموصل” وقبلها جاء الربيع العربي وسقط زين العابدين بن علي ومعمر القذافي وحسني مبارك وفازت نادية مراد بجائزة نوبل للسلام وأقتحم المتظاهرون المنطقة الخضراء عام 2015 ووقفت الكاميرا طويلا أمام القنفة البيضاء وجاءت تظاهرات تشرين ليحل الطرف الثالث محل المندسين.
كل ذلك وحين أحدنا يسأل الآخر عن كل هذه الأحداث فان الجواب الوحيد هو “الشك جبير والركعة زغيرة”.ولابد لأي خبيث يسأل لماذا “شكنا جبير وركعتنا زغيرة” ونبيع 4 ملايين نفط يوميا منها فقط للصين مليون برميل؟ لماذا “شكنا جبير وركعتنا زغيرة” وموازنتنا 100 مليار دولار سنويا؟ لماذا لايكون “شك” هولندا “جبير” و”ركعتها زغيرة” وهي تصدر ورد لا نفط؟ لماذا لايكون “شك” السويد “جبير” و”ركعتها زغيرة” وهي تجلب المليارات من تصدير “النستلة”؟ لماذا لايكون “شك” سويسرا “جبير” و”ركعتها زغيرة” وهي تعيش على تجارة الساعات؟ لماذا لايكون “شك” الإمارات “جبير” و”ركعتها زغيرة” وهي أرض صحراء بحرارة ورطوبة لاتطاق بينما موارد شركة طيرانها لعام 2018 بلغت 28 مليار دولار؟
الأمر لايحتاج الى معجزة أبدا. الأمر يتعلق بعدالة إجتماعية وحكم رشيد قوامه الدولة والمجتمع. أنا من الذين يرون أن الحكومات لا تتحمل الإ نصف المسؤولية. النصف الثاني يتحملها المجتمع بكل نخبه وقواه العاملة سواء كانت عمالية أم فلاحية أم تجارية أم صناعية أم سياسية أم فكرية أم عشائرية. نحن في العراق إعتدنا على جلد الذات وتحميل الآخر المسؤولية. وهي معادلة غاية في الصعوبة. لا أحد منا يلقي اللوم على نفسه لكن مستعد يجلد ذاته. اللوم يتحمله الآخر. الحكومة تجلد ذاتها وتحمل الآخر إن كان مختلفا معها بالنوع أو الدرجة في الداخل أو الخارج مسؤولية مايحصل. المجتمع يجلد ذاته ويريد من الحكومة أن تجبره أن يرتدي الحزام “والإ يدفع 150 الف دينار” غرامة. لماذا؟ لأن “الشك جبير والركعة زغيرة”.