إيليا إمامي
عندما تدخل مدينة طهران أو مشهد أو إحدى المدن الرئيسية في إيران تجد لوحات عملاقة بحجم البنايات العالية تحمل صور شهداء إيران وقادتها .. كبهشتى ومطهرى ورجائى وبهانر وهاشمى نجاد وأمثالهم .
كل الصور هي لشهداء وأشخاص راحلين ..
لكن وخلال تجولي في إيران لم أجد أي صورة لقائد من الأحياء سوى إثنين .. الأول هو السيد الخامنئي ومكتوب عليها ( امام خامنه اى رهبر معظم أنقلاب ) .. وأما الثاني فتجد صورته العملاقة مكتوب عليها ” سردار سليمانى”.
* الصحف الغربية التي وصفت قاسم سليماني بالرجل الثاني في إيران _ رغم أنه قائد فيلق وهناك مراتب أمنية أعلى بكثير _ ولكنه توصيف صحيح للغاية .. فالرجل _ بعد الخامنئي _ يعتبر الملهم الأساسي لشباب الثورة والقيادات المتوسطة في قوات الحرس الثوري ” سباه باسداران”.
وللمرة الأولى يرأس السيد الخامنئي اليوم اجتماعاً لمجلس الأمن القومي الإيراني منذ سنوات .. ويعود أحمد خاتمى ليكون خطيب جمعة طهران .. والتي أتوقع أن يكون خطيبها في الجمعة القادمة هو الخامنئي نفسه .
*من هذه المقدمة أريدك أن تفهم بأن اغتيال سليمانى كان أمراً خارج حسابات كل المحللين .. وفوق ما يتصوره أي مراقب للشأن السياسي .
فأمريكا طيلة السنوات الماضية كانت قادرة على استهدافه .. خصوصاً أثناء وجوده في جبهات القتال العراقية والسورية .. ولكنها لم تضغط على الزناد .. ولم يوقع الرئيس .. ولم تحسم ClA قرارها .. ولم يوافق الكونكرس .. لأن هكذا خطوة تفوق تصور أمريكا عن طبيعة الرد الإيراني .. وتنقل الحرب الى مستويات لايمكن لأحد التنبؤ بها .
* من السذاجة بمكان التصور أن اغتيال سليمانى جاء كردة فعل على قصف قاعدة أمريكية في العراق ببعض صواريخ !!
إن هذا القرار يفتح أبواب جهنم .. وأمريكا عندما اتخذته .. حسمت أمرها بالدخول الى جهنم .
* عراقياً _ أضف الى ذلك _ أن الشهيد أبو مهدي المهندس وهو الرجل الأول معنوياً وشعبياً في الحشد الشعبي .. وإن كان الثاني رسمياً .
هذا الرجل يمتلك رصيداً كبيراً جداً من المحبة والتعاطف في صفوف أبناء الحشد .. مما يجعل استعدادهم للانتقام عالياً جداً .. والتفكير بالثأر أمراً لايمكن تجاهله بسهولة .
* أجزم أن أحداً في العراق أو إيران أو لبنان أو السيناتورات الأمريكان .. لم يكن يفكر ولو بنسبة 1% أن ترامب سيوافق على هكذا ضربة مزدوجة وبهذا الحجم من الخطورة .. ولكن يبدو أن المصارف وشركات النفط والسلاح الأمريكية أقنعت الرئيس بأن هذه العملية هي طريقه الوحيد الى ولاية ثانية في البيت الأبيض ..
* ثم لايغيب عن ذهنك .. أن التيار الصدري الذي كان دوماً يرفع شعار العداء لأمريكا .. لا يمكنه اليوم أن يقف موقف المتفرج .. مما يعطي الرد العسكري أولوية لايستطيع الصدر أن يواجهها بشدة .. وإن كان لايرغب بذلك .
واستدعاؤه اليوم لـ ( جيش الإمام المهدي ) وليس ( سرايا السلام ) فيه دلالة لا تخفى على المراقبين .
* أمام كل هذه المعطيات يأتي دور السيستاني .. فالرجل خلال سنوات قد استنزف الكثير من طاقته وجهده في محاولة إطفاء الحرائق التي تمتد ألسنتها الى داخل العراق من جواره الإقليمي ومحيطه الدولي .
* السيستاني .. يعلم أن احتمالات المواجهة الشاملة التي أصبحت اليوم قريبةً جداً .. ستكون ساحاتها في لبنان وسوريا واليمن والقواعد الأمريكية في الخليج وأفغانستان .. مجرد ساحات جانبية .. أما الواقعة الكبرى فستكون هنا في العراق .. وفي العاصمة بالذات إمتداداً الى الجهة الغربية .. لتشهد صحراء الغربية معارك لايتمناها أحد .
* وحتى على مستوى الشارع البسيط .. فقد وصل الشرخ والانقسام الى مستويات أصبحت الشماتة فيها امراً لايستحي أحد من إبرازه بوجه الآخر .. وأصبح تعليق الجثث وتصويرها والاجتماع حولها .. أمراً مألوفاً .
* ومن هنا .. ومع هذا الواقع الملتبس .. صدقوني .. ليس للسيستاني _ الذي طالما وطالما وطالما حذر من هذه اللحظة _ غير الدعاء .. الذي قرأه اليوم .