تظاهرات العراق تقطع الطريق على الصدر للتفاهم مع إيران

    منعت الحكومة العراقية المؤسسات الصحية من الكشف عن حصيلة الضحايا التي خلفها هجوم أنصار مقتدى الصدر على المتظاهرين في مدينتي النجف وكربلاء، يومي الأربعاء والخميس 5 و6 فبراير (شباط) الجاري، فيما تمسك المحتجون في بغداد والناصرية برفض تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة.

    كان أنصار الصدر شنوا هجمات قاتلة على المتظاهرين في النجف وكربلاء يومي الخميس والجمعة، ما تسبب في مقتل 6 أشخاص على الأقل، وجرح أكثر من 100 آخرين، لكن المؤسسات الرسمية في المدينتين امتنعت عن إخبار وسائل الإعلام بعدد الضحايا، ملمحة إلى تلقيها أوامر من بغداد بهذا الصدد.

    بينما تعهد رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بالتحقيق في الأمر، أصدرت وزارة الداخلية بياناً بشأن “الأحداث التي رافقت تظاهرات النجف وكربلاء الأربعاء والخميس”، من دون أن تحدد عدد الضحايا، أو تعلن إلقاء القبض على المتسببين في سقوطهم.

    الداخلية تخشى إغضاب الصدر

    ذكرت الوزارة أن قواتها تابعت “الأحداث التي جرت في مدينتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة (…) وقد حصلت أحداث مؤسفة سقط خلالها عدد من الضحايا، والتحقيقات جارية لمعرفة المتسببين وملاحقتهم”، مؤكدة أن “القوات الأمنية تقوم بواجباتها لحماية المتظاهرين السلميين ومنع وقوع الاعتداء عليهم من أي جهة كانت وكذلك الحفاظ على سلمية التظاهرات”، لكنها لم تشرح أسباب ما حدث في النجف أو الجهة التي تورطت فيه.

    يعتقد مراقبون أن هذه المواقف الحكومية، تعكس الهيمنة الجديدة التي يفرضها مقتدى الصدر على الدولة العراقية، إذ تخشى مؤسساتها توجيه أبسط اتهام له أو لأنصاره.

    تفاهم إيراني صدري

    يرتبط صعود الصدر الجديد، لدى كثيرين في بغداد، بالفراغ الذي خلفه مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومساعده البارز، أبو مهدي المهندس، الذي يشغل منصب نائب قائد قوات الحشد الشعبي، في غارة أميركية قرب مطار بغداد في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020.

    يوحي انقلاب الصدر على حركة الاحتجاج العراقية بتفاهمه مع الجارة إيران، وإمكان أن يتولى تمثيلها في العراق، بدلاً من مجموعة الميليشيات المسلحة التي فشلت في هذه المهمة سابقاً، وتسبب في صناعة تيار شعبي مناهض لطهران.

    على الرغم من سعي زعماء الميليشيات الموالية لإيران، على غرار قيس الخزعلي الذي يقود حركة عصائب أهل الحق، للبقاء في دائرة التأثير داخل المشهد السياسي، ولو من بوابة الإعلام، فإن هيمنة الصدر تبدو طاغية على الوضع العام.

    المطعم التركي بنكهة إيرانية

    أولى بوادر الهيمنة الصدرية على المشهد العراقي، تبني تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، من جانب مقتدى الصدر نفسه، باعتباره “خيار الشعب”. وهو أمر يتقاطع بشكل علني مع موقف ساحات الاحتجاج، التي سارعت إلى رفض هذا التكليف فوراً.

    عندما وجد الصدر أن المتظاهرين لن يسمحوا بتمرير علاوي، أمر أنصاره بالنزول إلى الساحات في بغداد وأربع مدن أخرى، للتحكم بخطابها، وهو ما قاد إلى مجزرة في مدينة النجف.

    لغ الصدر في إظهار ولائه الجديد للإيرانيين، عندما أمر أنصاره بالاستيلاء على المطعم التركي قرب ساحة التحرير في بغداد، وتغيير واجهته، لتكون ملائمة مع الخطاب الذي يريد زعيم التيار الصدري فرضه على ساحات الاحتجاج.

    أزال أنصار الصدر جميع العبارات المناهضة لإيران من على واجهة المطعم التركي، وأبقوا فقط على العبارات المناهضة لأميركا، بعدما قاموا بتكبير حجمها، ثم نشروا على الواجهة علماً فلسطينياً كبيراً، إلى جانب العلم العراقي، في دلالة واضحة على أن الاهتمامات العراقية يجب أن تكون إيرانية بالضرورة، بما في ذلك تحرير فلسطين.

    الناصرية تتجاهل الصدر

    مساء الخميس 6 فبراير، فاجأت مدينة الناصرية، التي تضم واحدة من أشرس ساحات الاحتجاج وأكثرها جرأة في مواجهة القمع الحكومي الذي شاركت فيه الميليشيات الموالية لإيران، مقتدى الصدر، وأعلنت عن استفتاء شعبي لاختيار رئيس الوزراء المكلف، من دون أي إشارة إلى وجود مكلف، ما عد تجاهلاً صريحاً لموقف الصدر.

    حدد المحتجون في الناصرية، مدة أسبوع للتحضير لـ”استفتاء مدة يومين لغرض ترشيح شخصية مستقلة لشغل منصب رئيس الوزراء من جميع ساحات الاعتصام في جميع المحافظات”.

    جاء في إعلان الاستفتاء، الذي تلي في ساحة الحبوبي، مركز الاحتجاجات في الناصرية، أن “تسويف” القوى السياسية العراقية في “اختبار مرشح مستقل”، يضع هذه المهمة على “عاتق ساحات الاعتصام”، في بغداد والمحافظات.

    مليونية نحو الخضراء

    طالب المحتجون جميع المحافظات بالتحضير لهذا الاستفتاء، الذي سيجرى “تحت إشراف القضاء ومفوضية الانتخابات وممثلية الأمم المتحدة”، من دون الكشف عن آلية التنسيق مع جميع هذه الأطراف.

    في حال لم تستجب القوى السياسية لهذه الصيغة، أعلن محتجو الناصرية أنهم سيردون بـ “تظاهرة مليونية”، تتجه نحو “أبواب المنطقة الخضراء” في بغداد، حيث مقر الحكومة والبرلمان.

    يقول مراقبون إن رد محتجي الناصرية على حراك الصدر بتجاهلهم تبنيه تكليف محمد توفيق علاوي، يضع زعيم التيار الصدري في حرج بالغ، ويعرض شعبيته الكبيرة إلى أضرار بالغة، بعدما كان يتوقع أن في إمكانه التحكم في الشارع، وعلى الرغم من أنه أحكم قبضته على المشهد السياسي، ما يمثل تهديداً صريحاً لتفاهمه مع الإيرانيين على ظروف المرحلة الانتقالية، التي يبدو أنه تعهد بأن تلبي طموحاتهم.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة