ظاهرة (التنمر ) في وسائل التواصل الاجتماعي : عنف لفظي وشتائم وتسقيط اخلاقي وسياسي

    تقرير عدوية الهلالي

     

    … أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي سلاحا ذو حدين بعد ان استغلها بعض مستخدميها لأيذاء الآخرين بالسخرية والاستهزاء والأهانة ضمن مايدعى بظاهرة ( التنمر ) او العنف اللفظي التي بدأت تظهر على السطح بشدة متجاوزة جدران المدارس واماكن لهو الأطفال ، فمن يمارسها اليوم ليسوا اطفالا او مراهقين بل اشخاص يلذ لهم جرح مشاعر الغير او تسقيطهم اخلاقيا او اجتماعيا او سياسيا ، لماذا أصبح مثل هذا السلوك ظاهرة تستحق التوقف عندها ، وكيف يمكن لمن يتعرض للتنمر أن ينجح في مواجهته ؟

    محمد شاب يعاني من حروق قديمة تعرض لها في طفولته وتركت آثارا واضحة على وجهه وكغيره من الشباب يروق له ان ينشر صورته ويومياته لكنه يتعرض احيانا لتعليقات جارحة تسخر من ملامحه المشوهة ..يقول محمد :” ليس ذنبي ان يكون وجهي مشوها بسبب حادث بشع تعرضت له في طفولتي ..” مؤكدا انه يتألم كثيرا من تلك التعليقات ويضطر غالبا الى نشر مايطرأ على حياته من احداث بلا صور شخصية .

    اما الشاب عزام الذي يعاني من ( التأتأة ) منذ طفولته فيحاول عدم التأثر لما يتعرض له من تنمر وسخرية من طريقة كلامه لأنه اكتشف ان الضعفاء فقط هم من يستغلون اختلاف الغير عنهم ليجعلوا منه سببا للسخرية منهم ..ويؤكد عزام انه يجتهد في مختلف مجالات الحياة لكي لايمنح الآخرين فرصة الانتقاص منه وهو الأمر الذي منحه الثقة بنفسه وجعله متميزا في دراسته وعمله ..

    ويرى المحاضر التحفيزي في مجال التنمية البشرية علي حافظ ان هذه الظاهرة انتشرت مؤخرا على نطاق واسع سواء في مواقع التواصل الاجتماعي او في المدارس معرفا ( التنمر ) بانه العنف الذي يمارسه شخص على آخر او مجموعة على مجموعة أخرى مشيرا الى انه أمر غير مقبول لأي سبب كان اذ يجب على المرء ان يفكر بمشاعر الآخرين فقد يكون كلامه ضدهم سببا في تدمير أحلامهم او طموحاتهم بل ربما يكون اختلافهم عنه نعمة من الله وسببا في تميزهم وتفوقهم على سواهم ..

    أما الدكتورة علياء الصفار / اخصائية تربية وعلم نفس فتوضح اسباب التنمر بقولها انه يبدأ في سن الثامنة سواء بالنسبة للذكور او الاناث ، وتظهر علاماته عندما يحاول الطفل ايذاء أي شخص أصغر منه او اضعف منه جسمانيا وعقلانيا ، ويكون سبب ذلك على الأرجح نشوء الطفل في منزل يمارس فيه والداه او احدهما العنف سواء بالكلام او الضرب ، وقد يتعرض للتنمر من اشقائه الكبار فيقلدهم لأن التنمر مكتسب من البيئة ، وقد يستمد الطفل العنف من الالعاب الالكترونية العنيفة والتلفزيون وينفس عن طاقة العنف المكبوتة لديه بممارسة التنمر في المدرسة او الشارع ..

    من ناحيتها ، ترى الدكتورة زحل النجار / اخصائية تربية وتقويم سلوك ان التنمر له عدة انواع فقد يكون لفظيا ( عنف لفظي ) او جسديا ( الضرب ) او تنمرا الكترونيا ، كما ان هنالك تنمرا بسبب الجنسية او الطائفة او اللون وهو تنمر عنصري ..وينشأ التنمر – حسب النجار – بسبب نشوء الطفل ضمن أسرة تعاني من الخلافات المستمرة وقد يكون هو نفسه ضحية للتنمر في طفولته في داخل او خارج المنزل لذا يعبر عن الكآبة التي تنتج عن ذلك بايذاء الغير ، كما ان هنالك نسبة من المتعرضين للتنمر ينتحرون في المستقبل لأنهم يشعرون بصعوبة التعايش مع الآخرين وقد يستغلهم رؤساؤهم في العمل أيضا ..

    بدوره ، يرى الكاتب والباحث في علم الاجتماع الدكتور علي السعدي ان مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً لافتاً في شيوع (ثقافة) الشتيمة وانتشارها – بتعدد أشكالها- وقد تحولت الى واحدة من أهم مظاهر تلك المواقع و(هويتها) العامّة ، ولأن الشتيمة في ظل اجواء مهيأة لاستقبالها ،تكون الأكثر استقطاباً للاعجابات ، باعتبارها الأكثر لفتاً للانتباه ،ولأنها تخاطب الغرائز سهلة الاثارة سريعة الاستجابة ، لذا بات من النادر لجوء المدونين الى منشور يخلو من (شتيمة )أو وصف بشع، ومن نماذج الشتيمة وصف المقابل بأوصاف نابية تتناول الطعن بالأعراض – وتنال النساء الحصة الأكبر كأخت أو أمّ من بين من توجه اليهم الشتيمة ،أما في التسقيط السياسي ، فتظهر الاتهامات بالعمالة والتبعية والتفريط بالشرف والجبن ،ومايلحق بها من أوصاف ، وكلها تصدر من نفسية بلغ التوتر فيها مداه وخرج عن نطاق العقل والموضوع ،وفي حالات كثيرة ،يلجأ مطلق الشتائم للاعتذار من المقابل بعد الصلح ، وهو اقرار ضمني بانه كان يستخدم الأكذوبة لتنفيس احتقانه ،ولم يكن يعني مايقول .

    وتعتبر الباحثة النفسية اخلاص ياسين ظاهرة التنمر صورة مصغرة للاستبداد والبلطجة الاجتماعية خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي ، اذ يستغل المعتدي ضعف المقابل او وجود خلل في تكوينه الجسدي او الاجتماعي ، مؤكدة ضرورة معالجة التنمرمنذ الطفولة و قبل تحوله الى حالة نفسية ، خاصة وان انتشارها في مواقع التواصل الاجتماعي أثر بشكل كبير على سيكولوجية الفرد العراقي ، لذا لابد من تعويد الطفل على ثقافة الاعتذار وتربيته على الحب والتسامح والعطف على الصغير لأن الاساس الاول هو العائلة التي عليها الا تشجع الطفل على العنف أوتفتخربضربه للآخرين مع ضرورة التعاون مع المدرسة ، وتوفير مراكز للتنمية البشرية لتوعية المواطن واقامة دورات تثقيفية في المدارس واماكن العمل ، فالطفل لايدرك مدى تأثير الكلمة النابية على الآخرين لكنه سيستخدمها مستقبلا للاساءة المقصودة او الانتقام ان لم يجد الرادع والتوعية المبكرة

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة