ان يوم الاثنين الماضي بمثابة أول حراك شعبي تواجهه حكومة وبرلمان العراق الجديدين، من قوى التيار المدني والناشطين، رفضاً لقانون الانتخابات الجديد الذي بدأ البرلمان بمناقشته قبل التصويت عليه.
وعلى الرغم من أن الحراك لم يكن بالحجم العددي الذي اعتادت عليه بغداد في السنوات الماضية على مستوى الاحتجاجات، إلا أنه تزامن مع كسر الصدريين صمتهم الإعلامي.
وأدلى الصدريون بتصريحات ومواقف رافضة لمشروع القانون الجديد، الذي يعيد البلاد إلى نظام الدائرة الواحدة في كل محافظة، وفق آلية “سانت ليغو” في احتساب الأصوات وتوزيعها على المرشحين بالقوائم الانتخابية، وليس وفقاً لمفهوم الفائز هو من يحصل على أعلى عدد من الأصوات.
وآلية “سانت ليغو” في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي تعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة، تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، لكن العراق اعتمد سابقاً القاسم الانتخابي بواقع 1.9، وهو ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
مناقشة قانون الانتخابات الجديد
واضطر البرلمان إلى رفع فقرة القراءة الثانية لقانون الانتخابات وتأجيلها حتى إشعار آخر، بعد الحراك الذي دعمته قوى مدنية، أبرزها الحزب الشيوعي ونواب مستقلين، إلى جانب مواقف إعلامية للتيار الصدري.
وحول القانون الجديد بصيغته المعدلة، يقول نائب سابق عن تحالف “النصر” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إنه “أُقرّ في اجتماع داخل الإطار التنسيقي، قبل أن يخرج بصيغته الحالية”، وهو سبب كافٍ لتحريك تظاهرات جديدة في العراق، مدفوعة هذه المرة بجمهور التيار الصدري وإن لم يكن بشكل مباشر.
ووفقاً للعضو الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، فإن “معركة الدوائر المتعددة والدائرة الواحدة تهمّ الأحزاب الشيعية بالدرجة الأولى، لوجود محافظات ذات كثافة سكانية مرتفعة جداً، ومنقسمة حزبياً، والتنافس على أشده فيها”، في إشارة إلى مدن جنوب العراق ووسطه، التي تشكل ما نسبته نحو 25 في المائة من سكان البلاد.
ويضيف النائب السابق: “الدائرة الواحدة وسانت ليغو ستكبدان الصدريين خسائر انتخابية لصالح الكتل الأخرى، لأسباب كثيرة، أبرزها هو توزّع جمهور الصدريين بين المدن وعدم تركزه في منطقة واحدة، إلى جانب امتلاك قوى الإطار التنسيقي غالبية أصوات الحشد الشعبي (135 ألفاً) وكذلك الجيش والشرطة في ما يتعلق بالتصويت الخاص. وهذه الأمور يبدو أنها حُسبت بشكل دقيق من قبل خصوم الصدر، يضاف إليها أن والقوائم المنفردة للمرشحين المستقلين من أي فرصة حقيقية للتنافس”.
ويتوقع أن “يقرر الصدريون النزول تحت عنوان شعبي، إن لم يكن تحت عنوانهم السياسي، إلى الشارع، لإحباط مشروع القانون الجديد”.
وحول التطورات المرتقبة، يكشف النائب سجّاد سالم، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “العودة للتظاهرات الآن أقرب من أي وقت آخر”.
ويضيف: “التظاهرات ستكون ضد استمرار المحاصصة وعمليات الفساد والإخفاق الحكومي في ملف الخدمات الأساسية للمواطنين، إضافة إلى سعي القوى المتنفذة لتشريع قانون انتخابات يكرس نفوذها ويعمل على إزاحة أي منافس لها من المستقلين والقوى السياسية الناشئة”. ويعتبر أن “التظاهرات الأخيرة في بغداد ضد قانون الانتخابات المراد تمريره ستتوسع في حال الإصرار على المضي بهذا القانون الذي يسعى لتكريس السلطة بيدها”.
ويفصح سالم: “نعمل بكل الطرق القانونية المتاحة لنا في البرلمان لمنع تشريع القانون بصيغته الحالية، المرفوضة شعبياً، وسنكون داعمين وبقوة لأي تظاهرة رافضة للقانون ورافضة للمحاصصة واستمرار الفساد والفشل، وحق التظاهر مكفول لكل العراقيين وفق الدستور العراقي”.
رحيم الدراجي: التظاهرات ستكون لمنع الالتفاف على الانتخابات
أما رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات في البرلمان خالد الدراجي، فيرى، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “هذا القانون المطروح حالياً جرى تغييره على أثر احتجاجات شعبية كبيرة راح ضحيتها المئات من شهداء والجرحى، والعودة إليه مرة أخرى ربما ستشعل الاحتجاجات الشعبية من جديد”.
ويحذّر من أن “الإصرار على المضي بقانون الانتخابات بشكله الحالي سيدفع إلى مقاطعة كبيرة للانتخابات من قبل العراقيين. وربما هذا ما تريده بعض الأطراف السياسية من أجل جعل جمهورها فقط هو من يصوت لها، حتى تهيمن على كامل المشهد السياسي في البلاد”.
ويعتبر الدراجي أن “تظاهرات الاثنين الماضي قد تكون بمثابة إنذار لانطلاق تظاهرات شعبية رافضة لهذا القانون، كما ان إعلان رفض التيار الصدري له ربما سيكون باباً لهم للعودة إلى الساحة من جديد من خلال رفض هذا القانون”.
مشهد التظاهرات يتجدد
رئيس حركة “كفى”، النائب السابق رحيم الدراجي، يحذّر من أن “سعي القوى السياسية المتنفذة للعودة إلى قانون الانتخابات السابق سيعيد مشهد التظاهرات في الشارع مرة أخرى”.
ويوضح، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “جميع القوى السياسية الناشئة وكذلك النواب المستقلين مع عودة التيار الصدري إلى الساحة العراقية من أجل دعم أي احتجاج شعبي مرتقب رافض لقانون الانتخابات، الذي تريد القوى السياسية المتنفذة فرضه على الشعب العراقي، على الرغم من أن الشعب رفضه في تشرين 2019 وقدم من أجل ذلك المئات من الشهداء والجرحى”.
ويؤكد الدراجي أن “التظاهرات ستكون لمنع الالتفاف على الانتخابات واحتكار الأحزاب الرئيسية السلطة مانعة أي مشاركة حقيقية، ونرى أيضاً أن هناك محاولة التفاف على الشارع عبر التنصل من إقامة انتخابات مبكرة، فهناك من يريد بقاء الحكومة الحالية ولاية كاملة (حتى الانتخابات التشريعية المقررة مبدئياً في عام 2025)، وهذا ما لم يقبل به الشارع العراقي”.
وعاد التيار الصدري، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، إلى المشهد السياسي بعد غياب دام أشهر، وهذه المرة عاد من بوابة رفض قانون الانتخابات الجديد، الذي يسعى تحالف “الإطار التنسيقي”، الذي يضم الكتل والأحزاب القريبة من إيران، لتشريعه وفق النظام القديم “سانت ليغو” بدائرة انتخابية واحدة لكل محافظة، وإلغاء الدوائر المتعددة.
وجاء اعتراض التيار الصدري بعد إخفاق مجلس النواب العراقي من القراءة الثانية لمشروع تعديل قانون الانتخابات، بعد اعتراض النواب المستقلين عليه ومقاطعة الجلسة، ما أدى إلى كسر النصاب القانوني لعقد البرلمان جلسته.