في كربلاء المقدسة.. مدينة تحت الارض تستوعب مليون زائر بوقت واحد

    مدينة بكل ما تعني الكلمة تحت الارض فيها منشئات وخدمات تقدم لمليون زائر بوقت واحد تدور عجلة البناء فيها ليلا ونهارا لتشييد مختلف المباني لاكمال المشروع الذي سيشكل انتقاله كبيرة في عالم توسعة العتبات المقدسة ولم يحصل في العتبة الحسينية منذ العام الهجري الواحد والستون، فيها مكتبة ومتحف ومدارس حوزوية وروضة اطفال واربعة الاف وحدة صحية ومستشفى وانفاق تصل المدينة القديمة بجهاتها الاربعة فيما بينها، وتربط مساحة نصف مليون متر مربع بالصحن الحسيني وتجعل الزيارة سهلة وتوفر فيها سلالم كهربائية ورمبات ومصاعد خاصة لنقل الزائرين الكرام، انها ثورة في مجال رفع الطاقات الاستيعابية لاحتضان ملايين الزائرين وبارقى الخدمات.

    وكشف رئيس قسم المشاريع الهندسية والفنية في العتبة الحسينية المقدسة المهندس حسين رضا مهدي في حديث لوكالة نون الخبرية ان ” مشروع توسعة الصحن الحسيني الشريف هو اول مشروع توسعة ينفذ منذ العام (61) هجرية الى يومنا هذا وهو التوسعة الكبيرة التي تمتاز بمميزات عدة وبالاجمالي تصل مساحة التوسعة الى نصف مليون متر مربع، والتي ستسوعب مليون زائر بوقت واحد، وهذه التوسعة الكبيرة فيها مجموعة من المنشئات والمراحل والصعوبات التي واجهت العمل وتم اجتيازها بنجاح، وبعد سقوط النظام المباد في العام 2003 واستلام ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي تولية وادارة العتبة الحسينية المقدسة طرحت مجموعة من الافكار بسبب ارتفاع اعداد الزائرين الوافدين من خارج وداخل العراق بعد فتح الحدود امامهم وعدم استيعاب الصحن الحسيني لهم، حيث وصلت الكثير من الزيارات التي كانت بعشرات او مئات الالاف الى عدة ملايين مثل زيارة عرفة او ليالي الجمعة او شهر رمضان وزيارة الغدير ، فضلا عن الزيارة الشعبانية وزيارة الاربعين التي تجاوزت الاعداد فيها العشرين مليون زائر، ولم يتمكن الصحن الحسيني الموجود ومساحته لا تتجاوز (15) الف متر مربع فقط ان يستوعب تلك الكتل البشرية والحشود الهائلة، ووضعت الفكرة للتوسعة الكبيرة لصحن الامام الحسين (عليه السلام) في العام 2010 والتي تصل الى نصف مليون متر مربع اي بضعف مساحة الصحن الحالي (33) مرة لتستوعب مليون زائر بوقت واحد، وفي نفس العام بدأ تنفيذها بتوجيه المتولي الشرعي للعتبة المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بخطين يتضمن الاول وضع التصميم الاساس لكل ما تتضمنه تلك التوسعة من مباني ومنشئات وطرق وانفاق وغيرها، والخط الثاني والذي لابد ان يرافق الخطوة الاولى هي عمليات استملاك العقارات المجاورة من الفنادق والمحال التجارية والبيوت لغرض تهيئة التنفيذ”.

    واضاف مهدي  في “العام 2014 انتهينا من اعداد التصاميم بشكل كامل وتمت المصادقة عليها من جميع الجهات المختصة مثل وزارة البلديات ومحافظة كربلاء ولجنتين من الامانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة والامانة العامة للعتبة العباسية المقدسة وبعد ان اصبح هذا التصميم جاهز للتنفيذ مع مراعاة الآثار والتراث الموجود في الصحن الشريف ونقلها واستنساخها مع بعض التعديلات البسيطة في كل الصحون الشريفة، وكانت لدينا خطوات استباقية من قبل لجنة الاستملاك وطرحت من قبلهم فكرة لاقت استحسان وموافقة المتولي الشرعي وتتضمن تقسيم المشروع الى اربع اقسام كبيرة وهي صحن العقيلة زينب (عليها السلام) وهنا نعمل بعمق (15) متر لانجاز المشروع الذي يتضمن طبقتين تحت الارض ما عدا ما موجود فوق الارض، والاقسام الثلاثة الباقية هي صحون الامام الحسن المجتبى وصاحب الزمان (عليهم السلام) وصحن حبيب بن مظاهر (رضوان الله عليه)، وهي مجموعة صحون مرتبطة مع بعضها البعض وتنفذ على مراحل، وفي العام 2016 اكملت استملاكات القسم الاول وهو صحن العقيلة بمساحة ارض (52) الف متر مربع وبمساحة بنائية تبلغ (160) الف متر وهو يعادل مساحة الصحن الحالي بعشر مرات، وفي الاول من كانون الثاني من نفس العام احيل المشروع للتنفيذ على مؤسسة الكوثر الخيرية ووصلنا الآن الى مراحل متقدمة جدا حيث وصلت نسب الانجاز الى (65) بالمئة من المخطط له”.

    وبين ان “صعوبتين واجهت المشروع وببركة الامام الحسين (عليه السلام) تجاوزناها وتتضمن ان البناء في هذه المسافة القريبة من العتبة الحسينية لا يمكن ان يرتفع على السور الشريف للصحن للمرقد الشريف ولابد ان يكون البناء اقل ارتفاعا ما عدا قبة مقام التل الزينبي، والصعوبة تكمن في كيفية توفير مساحات جيدة لتقديم الخدمة للزائرين والوصول الى توفير مساحة نصف مليون مربع دون الصعود بالبناء فوق الارض، وبعد الاستعانة بخبرات هندسية من داخل وخارج العراق ووصلنا الى المانيا للاتفاق مع شركة باور الالمانية المتخصصة بانشاء المنشئات الصعبة والمهمة، وتوجهنا الى انشاء مدينة للزائرين تحت الارض لتستوعب اكثر من (300) الف زائر وتقدم الكثير من الخدمات الفكرية والثقافية واللوجستية للزائرين، ووضعت الخطة والتصاميم بانشاء سراديب وانفاق واستغلالها باكبر ما يمكن،  وواجهتنا مجموعة صعوبات منها اننا نعمل تحت الارض وبعمق (15) مترا طولا ناهيك عن الاسس والاعمال التحتية، والمختصين يعلمون ان مدينة كربلاء القديمة لا تتجاوز المياه الجوفية فيها عمق مترين ، ووصلنا الى خطة اساسية في التنفيذ ونجحنا في تنفيذ ما خطط له، وبعد حل المشروع هندسيا واجهتنا مشكلة اخرى وهي الابنية ومن ضمنها الصحن الشريف وتاريخ بنائه قبل (700) عام في عصر الجلائيين، والعمل باعمال كبيرة تحت الارض مجاور هذا البناء القديم يحتاج الى دقة وحذر لتجنب اي مشكلة قد تحدث وبعد استشارة الجهات الهندسية المختصة قمنا بانشاء جدار بعمق (40) متر مربع وبسمك متر وبطول كيلومترين وعلى مدى سنتين بعمل متواصل ليلا ونهارا ووصلنا الى مرحلة البدء بالانهاءات وتجاوزنا مرحلة الخطر بعد اكمال الهيكل الكونكريتي”.

    وتابع بالقول “حتى لا تؤثر المياه الجوفية الواقعة على بعد مترين على البناء بعمق (15) مترا ، نصبنا مجموعة من الحساسات على الجدار الحائل الذي انشأ بعمق اربعين مترا وهذه الحساسات تخضع لغرفة سيطرة ومراقبة ومنتشرة على كل محيط المشروع تبين وتوضح حركة الماء سواء كانت افقية او عمودية وعند ارتفاع الماء في الزيارات المليونية والماء التحتي في الايام الاعتيادية مسجلة ومسيطر عليها، ويتم انتقال المال من خارج المشروع الى داخله او بالعكس من اسفل المشروع بواسطة منظومة البزل  فيها مرشحات من الحصى المتدرج وانابيب مثقبة خاصة للبزل تقوم بنقل الماء دون ان يؤثر على المنشئات من ناحية الرطوبة او قوة دفع الماء ولدينا فنيين مختصين دربوا على التعامل مع تلك الكميات من المياه، والانتقال الافقي هو التوسعة الملاصقة للصحن الشريف وهو مكمل لما تم انشائه للصحن الشريف، وهذه الانتقالات محسوبة وفق متطلبات السلامة العامة الدولية والعراقية ولتوفير الانتقال العمودي للزائر وفرنا (155) وسيلة تنقل منها (35) سلم ومسار كهربائي و(35) رمبة كهربائية و(35) مصعد للعربات والاشخاص الذين لا يستطيعون صعود السلم الكهربائي، كما وفرت (50) سلم طوارئ كونكريتي اعتيادي مخصص لطريقة الهروب عن حصول الطوارئ”.

    وفيما يخص الانتقال الافقي فأشار مهدي الى ان “الزائر يمكنه الذهاب من صحن العقيلة زينب (عليها السلام) الى الصحن الحسيني عبر قسمين اذا كان في الطبقات العليا فيذهب بشكل مباشر لانه لا يوجد اي جدار او حاجز يفصل بينهما وهو ما ميز التوسعة عن جميع التوسعات في العتبات المقدسة، والصحن الزيني يربط بشكل يصبح فيه مكمل للصحن الحسيني، والجدران والاسوار في نهاية الصحن الزينبي بطريقة المربع ناقص ضلع، ومن الصحن الزينبي تشاهد ابواب الزينبية والقبلة والرأس الشريف وتستطيع الدخول منها بشكل مباشر، اما من كان في الطبقات السفلى للصحن فيستطيع الوصول الى الصحن الشريف عبر السلالم والرمبات الكهربائية الموجودة في الحائر الحسيني الذي توجد فيه السراديب الحالية التي انشئت مؤخرا بمساحة اربعة الاف متر مربع ومنها الى سرداب الصحن والى الحرم المقدس والعودة الى مكانه في سراديب صحن العقيلة، وتلك السلالم والرمبات نفذت بعد اخذ اراء مديرية الدفاع المدني المختصة بهذا الامر، واهم الاجزاء التي تتكون منها التوسعة هو المناطق العبادية وتصل مساحتها الى (65) بالمئة من المساحة الكلية لزيادة استيعاب الزائرين، والجزء الثاني يتمثل في المنشئات الفكرية والثقافية ومنها المكتبة ومتحف ومدرستين حوزويتين للرجال والنساء وروضة خاصة للاطفال تسمح للزائرين ممن يصطحبون اطفالهم لوضعهم فيها والذهاب الى اداء الزيارة والعبادات بشكل مريح ومطمئن ويعودون لاستلام أطفالهم وتتوفر فيها الكثير من الالعاب والمعلمين والمعلمات والرعاية وهي خدمة لم تتوفر في العتبات الاخرى، وتوجد ايضا مراكز ثقافية تعنى بنشر علوم اهل البيت (عليهم السلام)، فيما يضم الجزء الثالث الخدمي وهو مضيف الامام الحسين (عليه السلام) الذي يقدم (14) الف وجبة في الايام الاعتيادية وتتضاعف في الزيارات المليونية، وكذلك ستخصص بناية لمستشفى سفير الامام الحسين (عليه السلام) في صحن حبيب بن مظاهر وهو امر حاجته مفروغ منها لاسيما في الزيارات المليونية والحاجة الى صالات العمليات ومختلف الخدمات الطبية، ومكون من خمسة طبقات ثلاثة منها تحت الارض وطبقتين فوق الارض لزيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفى، وستتوفر (4000) مجموعة صحية فيها مرافق صحية وحمامات وامكنة وضوء في الاقسام الثلاثة من التوسعة باعداد كبيرة ومنها (1200) وحدة صحية في صحن العقيلة و (800) وحدة صحية في صحن الامام الحسن و (2000) وحدة صحية في صحن حبيب بن مظاهر، اما النفق الذي سيشيد داخل الصحن السفلي الذي يحيط بالتوسعة وفيه منافذ رئيسية في محاور المدينة القديمة ومنها الجهة الجنوبية في شارع قبلة الامام الحسين (عليه السلام) يصل النفق الى ما يقارب كيلومترين ويصل الى منطقة المكتبة المركزية، والاتجاه الغربي حيث شارع الشهداء وما يتبعه من شارع الروضتين فهناك نفق طوله (1500) متر، والمنطقة الشرقية في شارع الجمهورية فسننسق مع العتبة العباسية لوضع التصاميم الملائمة والمهمة للانتقال الحركي وخدمات في الصحنين الحسيني والعباسي”.

     

    قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة

    تصوير: عمار الخالدي – علي فتح الله

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة