اقتحم جنود إسرائيليون المسجد الأقصى فجر الأربعاء الماضي، وقاموا بالاعتداء بشكل وحشي على المعتكفين، فيما أسفر الاقتحام عن إصابة عدد من المواطنين الفلسطينيين المعتكفين وسط حالة من التوتر الشديد في مدينة القدس، ثم قامت شرطة الاحتلال باعتقال ما يقرب من 400 فلسطيني.
دانت الجامعة العربية ومصر والأردن والسعودية وتركيا وغيرها الاعتداء الإسرائيلي والتصعيد المأساوي الحاد في المسجد الأقصى وقطاع غزة، فيما استقبل مبعوث الرئيس الروسي الخاص بشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف سفير دولة فلسطين لدى موسكو عبد الحفظ نوفل، وتمت مناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية.
شدد الجانب الروسي على “أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل تهدئة الموقف في أسرع وقت ممكن، وخلق الظروف الملائمة لإقامة عملية سياسية مستدامة تهدف إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة”.
وكنت قد كتبت مطلع هذا العام مقالا بعنوان “المواجهة وتخليد شهداء جنين يكون بإعلان 2023 عام فلسطين فورا” توجهت فيه بنداء عاجل إلى جامعة الدول العربية بإعلان هذا العام 2023 عام فلسطين، وتوجيه دعوة للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتشكيل وفد عربي رفيع المستوى برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإجراء مباحثات فورية مع ممثلي اللجنة الرباعية الدولية للتسوية الفلسطينية.
اليوم، لا زالت المواجهات مستمرة، واحتدت خاصة في القدس، فيما يتابع العالم بأسره هذه الأحداث باهتمام، لما للمسجد الأقصى وما حوله من أهمية للديانات السماوية جميعا بصرف النظر عن مبادئها وطقوسها وعقائدها.
كما أصبح واضحاً للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن خوض مواجهاته بلا نهاية حتى تتحقق طموحاته في العيش بعزة وكرامة على أرضه وداخل دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
كذلك أؤكد أن الوضع الميداني الذي يسود الأراضي الفلسطينية لن يهدأ بل سيتصاعد يوما وراء يوم، فيما أصبح الاستشهاد بالنسبة للشباب الفلسطيني فصلا اعتياديا من فصول الحياة وواجب مقدس يسعون لأدائه من أجل وطنهم، بينما يواجهون بأجسادهم العارية قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم المدججة بأحدث الأسلحة.
أظن أن تعاملنا الإعلامي مع النضال الطاهر الذي يخوضه شعبنا الفلسطيني يجب أن يقتدي بما تتبعه وزارة الدفاع الروسية في تغطيتها لمسار العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وتنشره المواقع الناطقة بالعربية بعنوان “آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وأصداؤها”.
أعتقد أن على جميع وسائل الإعلام العربية والصديقة أن تبدأ يوميا أخبارها ببث أخبار عن آخر تطورات المواجهات البطولية للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، وانعكاس بقية الأخبار على مسار القضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني.
على سبيل المثال، ففي توقيع الاتفاق بين إيران والسعودية اليوم لاستعادة العلاقات الدبلوماسية نذكر كيف سيساعد ذلك على توحيد جهود الدول الإسلامية في دعم النضال الفلسطيني. وفي تصريح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بشأن اللقاء المرتقب مع وزير الخارجية السوري، نشير إلى إمكانية استعادة سوريا للوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، وأهمية التوافق السوري التركي في هذا الشأن، وكذلك ارتباط القضية الفلسطينية بقضية الجولان المحتل، وكذلك أهمية عودة العلاقات السعودية الإيرانية والعلاقات السورية التركية في مساعدة لبنان على الخروج من أزمته، وتعزيز المقاومة اللبنانية في دعم نضال الشعب الفلسطيني، وقد بدأت بوادر هذا التقارب فورا فيما شهدناه يوم أمس من إطلاق عشرات الصواريخ من الأراضي اللبنانية ضد أهداف إسرائيلية ردا على اعتداءات الاحتلال على غزة وسكان القدس.
فيما يخص زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، نشير إلى مواقف الصين المتعلقة بدعم القضية الفلسطينية، وكذلك نذكر خضوع فرنسا والاتحاد الأوروبي لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وعجز الاتحاد الأوروبي عن تفعيل دور اللجنة الرباعية الدولية لتسوية القضية الفلسطينية، وأهمية ذلك بالنسبة للتوصل إلى سلام عادل وشامل.
بعدها ننتقل إلى الوضع الميداني وتصريحات القيادة الفلسطينية.
إنه لمن الضروري بمكان أن يساهم الجميع في دعم نضال وبطولات شعبنا الفلسطيني اليوم على هذا النحو، طالما تقطعت بنا السبل في ظل هذه الظروف الدولية المتعسرة، وأرى أن تغطية العملية العسكرية الروسية الخاصة من قبل وزارة الدفاع الروسية هو الطريقة المثلى لربط تلك العملية وأهدافها بنضالنا ومواجهتنا الاحتلال، ذلك أن روسيا تسعى لإنهاء الأحادية القطبية والانتقال إلى التعددية القطبية تماما مثلما نسعى نحن كذلك إلى إنشاء دولتنا والتخلص من الهيمنة الأمريكية على القضية الفلسطينية، والتغول الإسرائيلي على حقوقنا الشرعية. وقد أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال حديثه يوم أمس أثناء استلام أوراق اعتماد بعض السفراء في الكرملين، سعي روسيا إلى الانتقال إلى عالم متعدد القطبية، وهو ما تسعى إليه أيضا دول مثل الصين والهند، وتجسده الرغبة المتزايدة لدى دول العالم في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
إن شعبنا الفلسطينية يخوض نضاله الخاص من أجل الحرية بالتوازي مع ما تخوضه روسيا وبلدان “بريكس” لإنهاء الهيمنة الأمريكية على العالم، والولايات المتحدة هي شريان الحياة بالنسبة لإسرائيل التي توجه كل إمكانياتها ليس فقط لمواجهة الفلسطينيين، بل لمواجهة العرب والعالم الإسلامي والمسيحي في منطقتنا.
لهذا سوف يعم السلام في فلسطيني قريبا، مع انتهاء العملية العسكرية الروسية الخاصة وتحقيقها أهدافها وهو ما سوف يتحقق حتما، وليس التأخير في ذلك سوى من أجل تفادي الخسائر في الأرواح بين المدنيين، وحتى العسكريين الأوكرانيين، وكذلك لترافق العملية العسكرية مع تحركات سياسية دولية واسعة للوصول إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي للعملية.
وختاماً، آمل أن تتخلى جميع الفصائل الفلسطينية، والفلسطينيين عامة عن جميع الخلافات والانتقادات، وأن يتم توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي يمر بها النضال الفلسطيني مؤخرا، وليعلم الجميع أنه لا يوجد فلسطيني بصرف النظر عن الانتماء السياسي يفكر في التنازل عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني كاملة، وجميعنا يناضل من أجل ذلك في موقعه، ووفقا لإمكانياته. وكما كان المناضل الراحل ياسر عرفات يردد دائما “يا جبل ما يهدك ريح”.