إقرار الموازنة مشكلة وعدم إقرارها مشكلة… بقلم سلام عادل

    منذ أيام يناقش أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب مسودة الموازنة الاتحادية العامة للبلاد بعد أن وصلت من الحكومة، وهو وصول متأخر في كل الاحوال، حيث كان ينبغي أن تصل وتتم مناقشتها واقرارها قبل مطلع العام الحالي.

    واللافت للانتباه في هذه الموازنة المتأخرة أنها مخصصة لمدة ثلاث سنوات (2023 + 2024 + 2025)، وهو أمر يحدث لأول مرة في العراق، اعتمدت الحكومة في ذلك على قانون الإدارة المالية، الذي قد يسمح بتمرير موازنة ثلاثية، لكن على أن يكون وفق شروط واشتراطات، على رأسها ضمان تأمين موارد ثابتة لمدة ثلاث سنوات.

    وهذه الموارد الثابتة غير متاحة في ظل الاعتماد على موارد دائمة التغير ترتبط باسعار سوق النفط المتقلبة، ولذلك لن تستطيع حكومة السوداني، ولا أي حكومة اخرى، فرض ثبات سعر برميل النفط بسقف لا يقل عن 70 دولار للبرميل لمدة ثلاث سنوات قادمة.

    ودون ذلك ستكون الموازنة الثلاثية تحت مطاردة عجز اكبر من العجز المقرر فيها حالياً، والذي تبلغ نسبته نحو 18‎%، وهي مخالفة اخرى لقانون الإدارة المالية الذي يشترط نسبة عجز لا تزيد عن 3‎%، وحينها لن يكون في متناول اليد حلول لمعالجة هذا العجز غير إثقال ذمة الدولة بالمزيد من القروض الداخلية والخارجية.

    ومن جانب اخر فتحت الموازنة الثلاثية باباً لتبديد الأموال العامة من زاوية تخصيصات إقليم كردستان، حيث تظهر من بين السطور وجود توافقات سياسية تريد أن تلتف على قرارات المحكمة الاتحادية، ودون أن تقوم حكومة الاقليم بسداد ما تراكم عليها من التزامات، يضاف اليها وجود تركة ثقيلة من الديون على خلفية شراكات استثمارية خارجة عن ضوابط الحكومة المركزية، ستكون بغداد مضطرة لاحقاً لتحمل جميع غرامتها وتعويضاتها.

    ووسط كل ذلك يصلنا صوت نواب المعارضة في كردستان وهم يعبرون عن خيبة أملهم المتزايدة جراء الحوالات المالية المستمرة التي ترسل من بغداد الى اربيل، دون أن يصل منها شيء الى المواطن، ويشمل ذلك عدم سداد رواتب الموظفين بشكل منتظم.

    والحال لا يقل سوءا في المناطق المحررة التي يشتكي سكانها من عدم تنفيذ مخرجات صندوق أعمار المناطق المحررة، تؤكد ذلك الحقائق على الأرض هناك، حيث تظهر بوضوح من خلال انعدام الخدمات وتنامي الفوارق الطبقية بين السكان وسط شيوع حالة المحسوبية والمنسوبية، وبالتالي لا جدوى من استمرار تخصيص أموال لهذا الصندوق تستمر لثلاث سنوات قادمة.

    والاكثر تضررا في حسابات الموازنة الثلاثية هي المناطق الأشد فقراً بحسب تقارير وزارة التخطيط، وهي المحافظات الشيعية التسعة، التي إن قامت أو قعدت سوف لن تحصل على شيء غير معتاد من الموازنة الضخمة، باستثناء وعود بفتح صندوق يكفل توفير واردات مالية للتخفيف من حالة الفقر، دون أن يرافق هذا التوجه أعمالاً ترتبط بتنمية الأصول الاقتصادية الصناعية والزراعية في المناطق الوسطى والجنوبية.

    وما هو ثابت ومعروف عند الخبراء أن الموازنة لا تعني الاقتصاد من الناحية النظرية والإجرائية بقدر ما تعتبر إحدى مفرداته، الأمر الذي يحول من باب الحكمة والمسؤولية دون منح موافقة مجانية على ميزانية يراد منها صرف الأموال، فقط لكون  هناك أموال متكدسة في خزائن الدولة ينبغي التصرف بها حتى ولو تحت عناوين فارغة المحتوى.

    ولذلك تمثل عملية إقرار موازنة تقوم على أساس (بنود الصرف) لمدة ثلاث سنوات مشكلة بحد ذاتها، كما أن عدم إقرار موازنة لعام 2023 مشكلة أيضاً.

    وهنا ليس المقصود وضع العصا في العجلة بقدر الاعتراض على عملية تسطيح العقول وخداع الجمهور التي اعتدنا عليها في الموازنات السابقة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر من خلال كتابة موازنة تقوم على البرامج وفق تخصيصات معقولة وسقوف زمنية مقبولة، وفوق كل ذلك يتطلب وضع نظرية اقتصادية يتم العمل بموجبها من أجل نهضة البلاد، تكون مبنية على مفاهيم السيادة والمصالح الوطنية.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة