رسالة إلى التنظيمات والفصائل والشعب الفلسطيني عامة

    الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
    إن التحديات التي تواجه قضيتنا ومشوار نضالنا اليوم خطيرة للغاية، لذا قررت التوجه إليكم بهذه الرسالة لأوضح حقيقة الوضع الراهن وما يتطلبه لإنقاذ تلك المسيرة الطويلة وقضية شعبنا الفلسطيني من أجل العيش بحرية وكرامة والتمتع بالدولة الفلسطينية المستقلة.
    لا أود الخوض في تفاصيل الخلافات ومسارات الانشقاق الفلسطيني وما أدى إليه، وإلى تشكيل قيادتين للشعب الفلسطيني إحداهما في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة، لكني أريد التركيز على المستجدات التي وقعت بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي، وما يشهده العالم أجمع من إبادة جماعية وتصفية عرقية لشعبنا الفلسطيني، وتدمير كامل وشامل للبنى التحتية في قطاع غزة.
    وسأضع نصب عيني السؤال الأساسي الذي سأحاول الإجابة عليه.
    ما الذي يجب علينا أن نقوم به نحن الفلسطينيون لإنقاذ قضيتنا وشعبنا؟
    الإجابة القصيرة على هذا السؤال هي: إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية فوراً.
    لهذا السبب، يتعين علينا الاستفادة من مبادرة موسكو لدعوة ممثلي جميع التنظيمات والفصائل الفلسطينية نهاية الشهر الجاري في موسكو، وأعتبر شخصيا أن هذه المبادرة من قبل القيادة الروسية هي خدمة جليلة ومهمة جدا من حيث حساسية التوقيت في وقت تؤيد فيه غالبية دول العالم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأريد هنا بهذا الصدد أن أحذر مما يعتقده كثيرون من أن الولايات المتحدة هي الأخرى قد أعلنت “موافقتها” على الدولة الفلسطينية المستقلة، ذلك أن الولايات المتحدة تريد دولة فلسطينية منقوصة دون سيادة ودون أي حقوق وتابعة لإسرائيل، وهو أمر نرفضه جميعاً جملةً وتفصيلاً.
    وحتى لا نفوّت الفرصة التاريخية في إعلان الاتفاق على صيغة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، يجب الاستفادة من التجارب السابقة للقاءات التي جرت في موسكو، واللقاء الأخير الذي جرى في مدينة العلمين بمصر، شهر يوليو 2023، للأمناء العامين للتنظيمات الفلسطينية، بهدف بحث سبل إنهاء الانقسام والاتفاق على رؤية وطنية سياسية جامعة مشتركة، إلا أن كل هذه المحاولات، مع الأسف الشديد، فشلت. لكننا ننتهز الفرصة هنا لتوجيه جزيل الشكر للسلطات المصرية لتنظيم هذه اللقاءات، كما نشكر القيادة المصرية لموقفها الوطني الشريف لإفشال كافة المحاولات لتهجير شعبنا الفلسطيني من غزة.
    لقد تغيرت الظروف الآن بعد 7 أكتوبر، وهو ما يحتم علينا، من موقف المسؤولية الوطنية أن نتفق كفصائل فلسطينية وبشكل شامل وجامع على تشكيل قيادة وطنية موحدة تعزز النهج التشاركي في القرار الوطني الفلسطيني والمسؤولية الوطنية الجماعية دون المساس بمنظمة التحرير الفلسطينية، الإطار الجامع للشعب الفلسطيني المعترف به دوليا، والذي يجب أن يضم كافة القوى والفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
    بهذه المناسبة أود الإشارة لشعبنا الفلسطيني وأصدقائه إلى أهم القضايا التي تعيق التنظيمات الفلسطينية عن التوصل إلى اتفاق واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية:
    البعض يعترض على تحديد حدود فلسطين بأراضي عام 1967 والقدس الشرقية.
    كما أن هناك من يصر إلى اليوم أن ما حدث في غزة هو انقلاب يجب التخلص من تداعياته، ويصر على أن النضال يجب أن يقتصر فقط على المقاومة الشعبية السلمية.
    هناك من يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ويطرح الالتزام بنظام واحد وقانون واحد وسلاح شرعي واحد، وهنا أود الإدلاء برأيي في هذا الصدد وهو أنني أتفهم ذلك لو كنا نعيش في دولتنا الفلسطينية المستقلة، لكننا اليوم حركة تحرر وطنية، تعيش في ظل احتلال كامل، وقد انتهى اتفاق أوسلو، والذي لم يكن يحظى بالأساس بتأييد كامل من الشعب الفلسطيني، وكان بمثابة تجربة، وأحد الخيارات في محاولة للتوصل إلى حل سلمي وعادل لقضيتنا الفلسطينية، لكن أن يضع أحد شروطاً بهذا المضمون (نظام واحد وقانون واحد وسلاح شرعي واحد)، لا سيما بعد ما حدث في الأشهر الأخيرة، فإنني أعتقد أنه اقتراح غير بناء.
    أفضل أن يستفيد الجميع من الوضع السابق، الذي كان قبل الانقسام الفلسطيني والوحدة الفلسطينية التي كانت سائدة آنذاك، ولا داعي لأي اشتراطات أو فرض التزامات طرف على طرف آخر، وما هو مطلوب اليوم هو موقف فلسطيني موحد يتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا الفلسطيني وحقه في العيش بدولته الفلسطينية المستقلة، ولنترك لكل تنظيم وفصيل رؤيتهم وأسلوبهم في النضال من أجل تحقيق الهدف المشترك لنا جميعاً.
    والخيار، في نهاية المطاف، سيكون لشعبنا الفلسطيني، ومن يؤيده لقيادته، وهو الشعب المعلم والمناضل والمثقف وذو التجربة النضالية على مدى 76 عاما، والعالم بأجمعه يراقب ويرصد ويؤيد بطولاته ونضاله وقدرته الهائلة على الصبر والتحمّل.
    أرجو كذلك أن نبتعد عن أي أفكار “تنتصر” لأي من الطرفين، حيث سمعت، مع الأسف، إلى فكرة مفادها أن استعادة الوحدة الفلسطينية الآن ستعد “انتصارا لحماس والجهاد الإسلامي”، ما يمكن أن يعزز موقعهما، لذلك يفضّل تأجيل ذلك إلى فترة لاحقة. هل يعقل هذا؟!
    إن إعلان إسرائيل رفضها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو يوم أمس لمنع قرار لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رغم تأييد غالبية أعضاء المجلس يشجّع إسرائيل على المضي قدما في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وحرب التجويع والعقوبات الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس أيضاً. ولم يعد هناك أمل الآن في الوقوف أمام ذلك سوى باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية كدليل على تصميمنا جميعاً على النضال وإفشال كل مخططات المراهنة على الانقسام الفلسطيني وإضعاف إمكانيات الجهود الدولية ودعم الأصدقاء لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
    يجب علينا أن نضع شعبنا الفلسطيني في صورة وتفاصيل الوضع لأنه وحده من سيتحمل التبعات الكارثية لافتقاد قيادة فلسطينية موحدة، وهو الذي نقف جميعاً أمامه بإجلال واحترام وتقدير يحتم علينا أن نضطلع بمسؤولياتنا الثقيلة وأن نزيح كافة المصالح السياسية والأيدلوجية الضيقة جانباً لصالح قضيتنا العادلة وأهدافنا المشروعة .

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة