كعادته متيبس الشفاه في ذلك الصيف العراقي الشرير يخرج أحمد بسيارته الصفراء الفاقعة كبقرة بني أسرائيل الى شوارع بغداد بحثا عن راكب أرهقه الحر ليقله الى مكان ما، كان لايهتم كثيرا للموبايل فمن عساه أن يتصل به وهو المكبل بالهموم والتحديات والغموم، وبرغم أن له ولدا صغيرا واحدا وزوجة تنتظر الأمل، ووالدة متحفزة بحثا عن فرصة للبكاء، لكنه كان يمازج اليأس بالصبر والتحدي والرغبة.
توقف قرب السوق في بغداد الجديدة ليقضي حاجة تخصه، وفجأة رأى مايشبه الهاتف تحت ورقة، وبعض النفايات وأخذه بيده، وازال عنه ماعلق به، وكان الهاتف يرن بين حين وآخر. فرد على أول متصل ليعرف إنه صاحبه الذي توسله أن يعيده إليه مقابل مبلغ من المال، وشرح له حاجته إليه، ولأنه يحتفظ بأرقام مهمة تتعلق بمصالحه. فماكان من أحمد إلا أن قال: تلفونك عندي، تعال وخذه، وأصر الرجل أن يقدم له الهاتف كهدية، وطلب منه الشريحة التي فيه فقط.
عاد أحمد الى منزله، ووضع شريحة قديمة كانت مرمية في مكان ما من المنزل، ونام على أمل صباح جديد، وحين أفاق كانت البقرة الصفراء تنتظره في الباب، لكنها كانت معطلة، وإحتاج الى مساعدة بعض الأشخاص، قاموا بزقها حتى تحركت، وفي أثناء السير في الطريق رن الهاتف، وقال في سره: من هذا البطران الذي يرن بعد عام ونصف من ترك هذه الشريحة البائسة، لكنه صدم حين رأى على الشاشة رقما دوليا، ورد بسرعة بعد أن توقف جانبا.
إنت أحمد؟
من معي؟
إحنا منظمة الهجرة الدولية إنت أحمد؟
صدم أحمد، ورد بعد أن تذكر إنه قدم طلبا للهجرة الى أمريكا منذ سنة وأكثر: نعم أنا أحمد وأبو أحمد وأم أحمد وخالة أحمد.
هاجر أحمد رفقة الأسرة، بينما ودعته الوالدة بدموع حرى في مطار بغداد.