*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
تحلّ ذكرى استشهاد المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) كواحدة من المحطات البارزة في التاريخ العراقي الحديث، حيث ترك استشهاده أثراً عميقاً في الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية. لم يكن الصدر مجرد فقيه ومجتهد تقليدي، بل كان رمزًا للإصلاح والتغيير، إذ حمل لواء الدفاع عن المظلومين في زمنٍ كان فيه القمع والاستبداد على أشدّه.
برز السيد محمد الصدر في وقت شهدت فيه الحوزة العلمية تراجعًا في دورها الجماهيري نتيجة لسياسات التهميش والملاحقة. لكنه استطاع إعادة الروح إلى المرجعية الدينية، حيث نزل إلى الناس، خاطبهم بلغتهم، وعاش معهم همومهم. فكان خطيبًا مؤثرًا ومرجعًا قريبًا من الفقراء، ولم ينعزل في أروقة الحوزة، بل وقف على المنبر في صلاة الجمعة ليخاطب الأمة مباشرة، في خطوة غير مسبوقة منذ عقود.
لم تكن صلاة الجمعة التي أحياها مجرد طقسٍ ديني، بل تحولت إلى منصة سياسية واجتماعية، عبّر من خلالها عن معاناة العراقيين، وطالب بالحقوق، وحثّ على مقاومة الظلم والاستبداد.
كان السيد الصدر واضحًا في مواقفه تجاه الظلم والاستبداد، إذ رفض السكوت عن سياسات القمع التي مارسها النظام السابق ضد العراقيين، وخاصة علماء الدين وطلاب الحوزة العلمية. ورغم تهديدات السلطة، استمر في نهجه الإصلاحي، مما جعله يشكل تحديًا حقيقيًا للنظام الحاكم آنذاك.
في عام 1999، بلغ الضغط على السيد الصدر ذروته، حيث تعرض للتهديدات المستمرة، لكنه لم يتراجع. وفي ليلة الرابع من ذي القعدة عام 1419هـ (19 فبراير 1999م)، اغتيل برفقة نجليه في عملية وحشية، كانت تهدف إلى إسكات صوته، لكنها جعلت منه رمزًا خالدًا في الذاكرة العراقية.
بعد استشهاده، لم تنطفئ جذوة أفكاره، بل زادت اشتعالًا، وألهمت أتباعه ومحبيه للتمسك بنهجه والسير على خطاه. فقد شكلت حادثة اغتياله شرارة زادت من نقمة العراقيين على النظام القمعي، وساهمت في تهيئة الأجواء للتغييرات الكبرى التي شهدها العراق فيما بعد.
أصبح السيد الصدر بعد استشهاده رمزًا للنضال الشعبي، وتحولت أفكاره إلى مرجعيات حركية واجتماعية في العراق، حيث استمر تأثيره في الأوساط الدينية والسياسية، وبرزت شخصيات وحركات استلهمت نهجه في مقاومة الظلم والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية.
تحمل ذكرى استشهاد السيد محمد الصدر معاني عميقة للأجيال الحالية، فهي ليست مجرد تأبين لشخصية دينية، بل استحضار لقيم التضحية، والعدالة، والوقوف في وجه الطغيان. إنها دعوة دائمة للتأمل في دروس الماضي، وفهم أهمية وحدة الصف، والتمسك بالمبادئ، وعدم الرضوخ للظلم، مهما كانت التحديات.
وفي الختامً ، تبقى ذكرى السيد محمد محمد صادق الصدر محفورة في قلوب محبيه، ودرسًا تاريخيًا للأمة بأسرها، بأن رجال الحق وإن غُيِّبوا جسديًا، فإن أفكارهم ومبادئهم تبقى منارات تضيء الدرب للأحرار.