خريف القلب الحياة قصيرة ومصايبها كثيرة

     

    هادي جلو مرعي

     

    تحاول الدراما السعودية بثوبها الجديد أن تجد طريقها في زحمة المنافسة المحتدمة على غرار الدراما المصرية ونظيراتها السورية واللبنانية، وربما المحاكاة الواضحة للإنتاج التركي الذي يغزو أسواق الفن العربية، ولعل اللغة، وعدم قدرة الدبلجة الصوتية والترجمة أن تجعل المشاهد العربي ينزاح تماما الى المساحة التركية ساهم الى حد بعيد في نجاح مقاومة الدراما العربية بأشكالها الشامية والمصرية والخليجية للمد التركي، وتقديم دراما تستهوي الذائقة المحلية في كل بلد منها، وتمتد الى بلاد عربية أخرى برغم تشابه المحتوى، والطريقة الإخراجية والأدائية غير إن كل إنتاج منها يمثل الحالة المحلية، ويعبر عن ثقافة البلد، وعاداته وتقاليده، وتصوراته للحياة، وتشابك المصالح، والمنافسة، والتدافع الطبيعي بين البشر، ويمنح المشاهد من بلاد أخرى فرصة الإطلاع، والمعرفة والتعاطف، والإقتراب النفسي والفكري، وتجاوز المشاكل الناجمة عن تفاعلات السياسة والسياسيين.

    ماتزال الدراما الكويتية فاعلة، وتحقق حالات إندماج وشراكة مع نظيراتها في البلدان العربية من زمن بعيد، وكانت العقود الأربعة الماضية مفعمة بالإنتاج الذي تراكم، وترك أثرا في الذائقة والوجدان العربي، وقدمت أسماء لامعة طورت الأعمال التلفزيونية، والمسرح الكويتي، وأضافت لهما الكثير، ويمكن القول.. إن المملكة السعودية تأخرت في هذا الميدان غير إن اللافت في الأمر إنها تندفع، وفي ذات الوقت بإتجاهات مختلفة، ولاتفصل مساحة عن أخرى في الفن والرياضة والسياحة والثقافة والإرث الحضاري والتراث الشعبي والجغرافيا والسياسة والصناعات المختلفة والزراعة والجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات وإستقطاب الشركات الكبرى للتأسيس لبنية تحتية متقدمة في المجالات كافة، وواضح تماما إن الدراما السعودية واحدة من أهم أدوات التغيير الثقافي والإجتماعي في رؤية 2030 للمملكة حيث تستقطب أعدادا كبيرة من الشبان والفنانين التقليديين ليقدموا أدوارا مختلفة تجاوزت المحلية الى المحيط العربي في الخليج والشام والعراق ومصر، وأحدثت إنتقالة في التفكير والسلوك، ومزجت بين التعريف بالإرث الإجتماعي والنهضة المتدرجة منذ نشأت الدولة، وظهور النفط، والإنتقال الى المستقبل في إطار التحديث الإجتماعي والثقافي والمعرفي متعدد الجوانب.

    مسلسل خريف القلب واحد من أطول الأعمال الفنية السعودية التي جمعت نخبة مميزة من الفنانين الكبار المعروفين والشبان الواعدين كعبد المحسن النمر والمتألقة والحائزة على الجوائز إلهام علي والممثل المعروف إبراهيم الحربي ولبنى عبد العزيز وآخرين، ولم يفصل المسلسل في الجوانب التاريخية والتراث السعودي والنشأة على غرار مسلسل العاصوف لناصر القصبي بل إقترب كثيرا من الحداثة والزمن الراهن وكشف عن التحولات في المزاج العام وطريقة التعامل بين الأفراد والمنافسة والعمل التجاري والطعام والشراب وإرتداء الثياب، وبيان التحديث الذي طرأ على الحياة الإجتماعية خلال الفترة الماضية، وتجاوز الأطر التقليدية، وغياب مظاهر كانت مألوفة وتقليدية تتقاطع والرؤية المتبعة في إدارة الدولة، ولم يعد هناك وجود لمظاهر التدين التقليدية، وتلك التي تنم عن تعصب يدفع العامة الى الإلتزام بمعايير فوقية تفرضها المؤسسة الدينية التي كانت تحظى بالتوافق مع منظومة الحكم، ولكنها اليوم تحت طائلة المراقبة والمنع من تجاوز الحدود الذي وضعها الأمير محمد بن سلمان والتي تنفتح على المساحة الزمنية وتمتد الى المستقبل حتى 2030 كما هو واضح في التطورات المتسارعة في المملكة، وعلى صعد شتى.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة