المرأة العراقية قرن من النضال والإنجاز

     

     

    *الحقوقية انوار داود الخفاجي*

     

    في الثالث من شهر آذار من كل عام، تحتفل المرأة العراقية بعيدها الوطني، وهو يوم يعكس نضالها الطويل من أجل نيل حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، مرت المرأة العراقية بتحولات كبرى، تأرجحت بين التقدم والانتكاسات، متأثرة بالأوضاع السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية في البلاد.

     

    مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كانت المرأة العراقية تعاني من التهميش الاجتماعي والتقليدية الصارمة التي قيدت دورها في الحياة العامة. ومع ذلك، شهدت هذه الفترة بداية ظهور حركات نسوية تطالب بتحسين أوضاع المرأة، مثل جمعية نهضة المرأة العراقية التي تأسست عام 1924. كما بدأت المرأة العراقية تلتحق بالتعليم، وإن كان ذلك بشكل محدود ومقتصر على العائلات المتعلمة والميسورة.

     

    في الأربعينيات والخمسينيات، تعزز دور المرأة في التعليم والعمل، خاصة مع إنشاء أول مدرسة للبنات وفتح باب التعليم العالي أمام النساء. كما شهدت هذه الفترة انخراط النساء في الحركات السياسية، خاصة في الأحزاب اليسارية والقومية التي رفعت شعار تحرير المرأة.

     

    بعد سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية عام 1958، شهدت المرأة العراقية طفرة في حقوقها، حيث سُنَّت قوانين تدعم مشاركتها في الحياة العامة، وأبرزها قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، الذي منح المرأة حقوقًا غير مسبوقة فيما يتعلق بالزواج، الطلاق، والميراث. كما ازدادت نسبة النساء في الجامعات وأماكن العمل، وبرزت شخصيات نسائية في السياسة والثقافة والمجتمع.

     

    في السبعينيات، شجعت الدولة مشاركة المرأة في القوى العاملة ودعمت حقوقها في مجالات عدة. ولكن مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، تراجع دور المرأة، حيث زادت الأعباء الاجتماعية والاقتصادية عليها نتيجة الحرب. ومع استمرار النزاعات، وخاصة بعد حرب الخليج (1991)، تدهورت أوضاع النساء أكثر، حيث تعرضن لتضييق على حقوقهن وتزايد الفقر والعنف.

     

    بعد عام 2003 وسقوط النظام السابق، دخلت المرأة العراقية مرحلة جديدة اتسمت بالتناقضات. فمن جهة، حصلت على تمثيل سياسي غير مسبوق، حيث فرض الدستور العراقي الجديد “كوتا نسائية” بنسبة 25% من مقاعد البرلمان. ومن جهة أخرى، تفاقمت معاناة النساء بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار العنف الطائفي، وتصاعد التحديات الاقتصادية والاجتماعية.شهدت هذه المرحلة تصاعد العنف ضد المرأة، بما في ذلك الاستهداف المباشر من قبل الجماعات الإرهابية، وتزايد حالات العنف الأسري، والاتجار بالبشر. كما تراجعت بعض المكاسب القانونية بسبب تأثير القوى الدينية والسياسية، مما قيد بعض حقوق النساء التي حصلن عليها في الماضي.

    ورغم هذه التحديات، استمرت المرأة العراقية في النضال من أجل حقوقها، حيث برزت ناشطات ومنظمات نسوية تعمل على دعم المرأة وتعزيز دورها في المجتمع. كما شهدت السنوات الأخيرة بروز عدد من النساء في مواقع صنع القرار، سواء في الحكومة أو القضاء أو المجتمع المدني، مما يعكس استمرار المسيرة النسوية رغم الصعوبات.

     

    وفي الختام على مدار أكثر من قرن، مرت المرأة العراقية بمراحل من التقدم والتراجع، لكنها ظلت صامدة في مواجهة التحديات. واليوم، رغم كل الصعوبات، تستمر المرأة العراقية في إثبات قدرتها على تحقيق التغيير والمشاركة في بناء مستقبل أفضل للعراق. إن الاحتفال بعيد المرأة العراقية هو مناسبة لاستذكار إنجازاتها والتأكيد على ضرورة تمكينها لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة