أعلن الجانب الروسي استعداده للوساطة بشأن الملف النووي، داعيا إلى حل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة عبر الحوار والمفاوضات. ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد طلب ترامب وفريقه أيضًا تدخل موسكو في هذا الشأن.
بناءً على ذلك، من المتوقع أن يدخل الروس الساحة بجدية في الأيام المقبلة للمساعدة في حل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة. هذه الخطوة غير المتوقعة، التي تعكس تحسن العلاقات بين بوتين وترامب ورغبتهما في إنهاء الحرب في أوكرانيا، تثير بطبيعة الحال العديد من التساؤلات، مثل: هل تعتبر هذه الخطوة الروسية تهديدًا لإيران أم فرصة؟ وما الصيغة التي يقترحها الروس لحل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة؟ وكيف ستكون ردة فعل طهران تجاه وساطتهم؟
ينظر معظم الإيرانيين إلى روسيا على أنها دولة غير موثوقة، وهو موقف له جذور تاريخية، لكنه في السنوات الأخيرة أصبح متأثرًا أيضًا بنظريات المؤامرة. بعض الأوساط الإيرانية ترى أن روسيا هي المحرك الرئيسي وراء النزاعات بين الجمهورية الإسلامية والغرب، وتعتقد أن موسكو تستفيد من عزلة إيران وعقوباتها، ولذا تعمل على عرقلة أي تقارب بين طهران وأوروبا والولايات المتحدة.
وقد امتدت هذه الشكوك إلى حد أن البعض لا يستبعد وجود صلة بين إقالة محمد جواد ظريف من منصبه كنائب للرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة إلى طهران، حيث يعتقدون أن لروسيا يدًا في هذا الأمر! من الواضح أن الروس، خلال الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى تدهور علاقاتهم مع الولايات المتحدة وأوروبا، لم يكونوا مهتمين بتحسين علاقات إيران مع الغرب، بل سعوا إلى تفاقم التوترات بين طهران وبروكسل وواشنطن عبر استخدام الطائرات الانتحارية الإيرانية في الهجمات على أوكرانيا.
على مدار السنوات الثلاث الماضية التي كانت فيها روسيا منشغلة بالحرب الأوكرانية، لم يكن لموسكو وطهران دائمًا نفس الرؤية أو الاتجاه في القضايا الإقليمية، وظهرت خلافاتهما إلى العلن في بعض المراحل. فعلى الرغم من اهتمام روسيا بالحفاظ على علاقتها مع الجمهورية الإسلامية، فإنها أعطت أهمية كبيرة لعلاقاتها الوثيقة مع الدول العربية في جنوب الخليج، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، بل إنها دعمت في إحدى المراحل مطالب الإمارات بشأن الجزر الإيرانية الثلاث في مياه الخليج.
إضافة إلى ذلك، لم تُظهر روسيا يومًا أي رغبة في توتير علاقاتها مع إسرائيل، وحافظت بوضوح على مسافة من نهج الجمهورية الإسلامية في هذا الشأن. في الواقع، وبناءً على قاعدة شائعة في العلاقات الدولية، تتعامل روسيا مع علاقتها بإيران في إطار مصالحها الكبرى، تمامًا كما تفعل الدول الأخرى.
في الأشهر الأخيرة، أظهرت روسيا وإسرائيل العديد من المؤشرات على تحسن علاقاتهما. فقد صوتت إسرائيل ضد القرار الأوروبي في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب دول مثل كوريا الشمالية وروسيا البيضاء، كما أفادت التقارير بأن حكومة نتنياهو سعت إلى إقناع الولايات المتحدة بالموافقة على الإبقاء على القواعد العسكرية الروسية في ميناء طرطوس السوري.
من جانبها، لم توجه روسيا أي انتقادات تُذكر لسياسات حكومة نتنياهو تجاه غزة وسوريا ولبنان، ويبدو أنها أدركت مدى تأثير اللوبي الإسرائيلي على سياسات البيت الأبيض، ولهذا تسعى لكسب ود إسرائيل كمحاولة لإنهاء الحرب الأوكرانية عبر التقرب من ترامب.
في ظل هذا التوجه، هل ينبغي اعتبار تدخل بوتين في النزاع النووي الإيراني فرصة للجمهورية الإسلامية أم تهديدًا؟ في الواقع، يعتمد الجواب على الصيغة التي سيقترحها الروس كوسطاء لحل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة.
حتى الآن، لا تتوفر أي معلومات عن هذه الصيغة، لكن يبدو أن الهدف الرئيسي للروس هو منع نشوب حرب أو مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. وقد يكون هذا هدفًا إيجابيًا، خاصة إذا ترافق مع تقديم ضمانات أمنية لإيران ورفع كامل للعقوبات. ومع ذلك، من الواضح أن تحقيق هذا الهدف لن يكون ممكنًا إلا من خلال تقديم تنازلات مؤلمة من قبل طهران.
يبقى موقف الجمهورية الإسلامية من الوساطة الروسية غير واضح حتى الآن. فمن دون شك، فإن رفض وساطة الروس قد يترتب عليه عواقب كثيرة، وربما يدفعهم إلى التقارب مع الولايات المتحدة وإسرائيل مقابل امتيازات في الحرب الأوكرانية.
أما قبول الوساطة الروسية، فسيتطلب تغييرات في موازين القوى السياسية داخل إيران، وقد يؤدي إلى عزل التيارات الأكثر تشددًا، وهو أمر من غير المرجح أن يتم بسلاسة أو دون تحديات.