*الحقوقية انوار داود الخفاجي*
أثار مسلسل معاوية جدلًا واسعًا في العالم العربي، خاصة بين السنة والشيعة، حيث يتناول واحدة من أكثر الفترات حساسية في التاريخ الإسلامي، وهي الفتنة الكبرى التي وقعت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والصراع الذي نشأ بين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان. يأتي عرض هذا المسلسل في وقت تشهد فيه المنطقة صراعات طائفية، خاصة في سوريا، التي عانت خلال السنوات الماضية من حرب أهلية تخللتها مواجهات ذات طابع طائفي. ومن هنا، يثار التساؤل هل يمكن أن يساهم المسلسل في تأجيج هذه الصراعات، خاصة في ظل الوجود الشيعي القوي في العراق ووجود مرقد الإمام علي في النجف الاشرف؟
منذ اندلاع الأزمة السورية عام ٢٠١١، تحول النزاع تدريجيًا من ثورة شعبية إلى حرب أهلية ذات طابع طائفي، حيث انقسمت الفصائل المتحاربة بناءً على خلفياتها المذهبية. برزت فصائل مسلحة سنية مدعومة من قوى إقليمية، وفي المقابل دعمت إيران و حزب الله اللبناني النظام السوري ذي الطابع العلوي، ما عزز الصراع الطائفي.
في هذا السياق، يأتي عرض مسلسل معاوية، الذي يعيد إحياء الخلاف بين السنة والشيعة، ليشكل مادة قابلة للتوظيف في الصراعات الراهنة. إذ أن تصوير معاوية في المسلسل كبطل قد يُنظر إليه من قبل البعض كمحاولة لتبرير الصراع ضد الشيعة، بينما يرى آخرون أنه تذكير بجذور الانقسامات التي لا تزال قائمة.
في العراق، النجف ليست مجرد مدينة دينية، بل هي رمز للوجود الشيعي العالمي، حيث يوجد مرقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي يعتبره الشيعة الإمام الأول والخليفة الشرعي بعد النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم. لطالما كان للنجف تأثير روحي وسياسي كبير، خاصة مع وجود المرجعيات الدينية الكبرى فيها، والتي تلعب دورًا في توجيه الأحداث في العراق والمنطقة.
مع تزايد حدة الخطاب الطائفي في سوريا، ومع الدور الذي لعبته الفصائل الشيعية العراقية، مثل الحشد الشعبي ، في دعم النظام السوري، أصبحت النجف وعلماؤها جزءًا من المشهد السياسي الإقليمي. وأي تصعيد في الخطاب المعادي للشيعة، سواء في الإعلام أو الدراما، قد ينعكس على أمن واستقرار النجف، خاصة مع استمرار التوترات بين المكونات العراقية.
*التداعيات المحتملة لعرض المسلسل*
*إعادة إحياء الخلافات التاريخية*
قد يؤدي المسلسل إلى تأجيج المشاعر الطائفية، خصوصًا إذا تم تصوير معاوية بطريقة تمجد دوره على حساب الإمام علي عليه السلام ، مما قد يثير ردود فعل غاضبة بين الشيعة في العراق وإيران ولبنان.
*تأثيره على الوضع في سوريا والعراق*
في ظل الأوضاع المتوترة، قد يتم استغلال المسلسل كأداة في الحرب الإعلامية بين الأطراف المتنازعة، مما يزيد من الفجوة بين المكونات الطائفية المختلفة، ويؤثر على العلاقات بين المجتمعات السنية والشيعية في سوريا والعراق.
*تصعيد الخطاب السياسي والديني*
قد تستغل بعض الجماعات المتشددة المسلسل لإعادة تأجيج الصراعات، سواء من خلال الدعوة للانتقام التاريخي، أو استخدام رمزية معاوية والإمام علي عليه السلام في الخطاب السياسي الحالي.
ولتجنب التداعيات السلبية للمسلسل يجب التركيز على الوحدة الإسلامية بدلاً من إعادة إحياء الصراعات القديمة، يمكن توظيف مثل هذه الأعمال لتقديم دروس في التعايش السلمي والحوار بين المذاهب الاسلامية و ضبط الخطاب الإعلامي و على وسائل الإعلام تجنب استغلال المسلسل في إثارة الفتنة، والتركيز على الجوانب التاريخية دون توجيهها نحو صراعات الحاضر وايضا تعزيز الوعي الديني والفكري من خلال نشر فكر نقدي يحلل التاريخ دون أن يجعله سببًا للصراعات المعاصرة.
ختاما في ظل الصراعات الطائفية التي تعيشها المنطقة، يأتي عرض مسلسل معاوية ليعيد إحياء نقاشات حساسة حول الماضي، ما قد يؤثر على الحاضر والمستقبل. ومع وجود النجف كرمز شيعي عالمي، والاشتباكات الطائفية المستمرة في سوريا، يصبح من الضروري التعامل بحذر مع مثل هذه الأعمال، حتى لا تتحول إلى وقود جديد للصراعات التي أرهقت المنطقة لعقود.