محمد صادق الهاشمي
المتأمل للموقف الانتخابي وما يليه يجد ان الخريطة السياسية في طريقها لفرض ثمة متغيرات مهمة وان لم تشكل عنصرا جوهريا جذريا فانها معالم لخريطة في مراحل لاحقة من عمر العملية السياسية ويمكن تصورها وفق المعطيات التالية :
اولا : الموقف الشيعي
1- لم يتمكن الشيعة من الاستمرار بدورهم بان يكونوا الكتلة الاكبر انتخابيا.
2- ان القوائم الشيعية المتعددة (نصر ,فتح , دولة القانون , الحكمة , سائرون ) تكاد تكون متقاربة النتائج انتخابيا بلحاظ الفرص لكل كتله وبلحاظ عناصر القوة والضعف لكل كتلة , فقائمة الفتح تراهن على منجزاتها العسكرية مع ان الاخرين يراهنون على نفس الفرصة , واما النصرفانها تراهن على المنجزات الحكومية ووجودها الواقعي في الحكم وما حققته عسكريا وامنيا ,واما دولة القانون تراهن على استصحاب الارث الشعبي الذي يعتمده السيد المالكي , بينماالحمكة تراهن على الانفتاح وعنصر الشباب ,وسائرون تراهن على التيار والانفتاح على المشروع المدني والوطني .
وباختصار شديد لانجد في ظل تعدد القوائم وفي ظل مراجعة الفرص لكل من القوائم الانتخابية مرجح لاحد على اخر في الفوز الذي يمكن احد القوائم تكوين اغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده ولاتوجد فرص للتقارب ذانيا الا بموثر خارجي ,مضافا الى ان الشيعة فقدوا فرصة ذهبية لتجاوز هذه التعقيدات لو ترأس السيد العبادي قائمة تجعله يحصل على اغلبية مريحة في قائمة ترشحه لرئاسة مجلس الوزراء .
3- يوجد تباعد كبير في متبنيات القوائم ورويتها وفي قرارها لقيادة المكون الشيعي سياسيا .
4- يوجد احتمال ان تكون نسبة الشيعة اقل من العدد الذي كانوا عليه عام 2014 مع احتمالية قلة المشاركة الشعبية في الانتخابات.
ثانيا – الموقف السني
مع انه متباعد وغير متفق انتخابيا الا انهم من الان يسعون الى الاستفادة من اختلال الميزان في الموقف الشيعي لطرح متغيرات في العملية الحكومية والسياسية تدفع بهم الى الامام في المواقع السيادية التي توهلهم الى احتلال موقع موثر لهم و كما يبدو إن هناك مساعي محتملة يجري العمل عليها وهي التغيير في هيكل الرئاسات وتصنيفاتها، فان رغبة سنية تطرح ( وهي بوابة التغيير في كل الخريطة السياسية ) بان يكون منصب رئاسة الجمهورية للمكون السني، بدل رئاسة مجلس النواب، ويدفعهم في ذلك النظرة التاريخية التي يحملونها تجاه هذا المنصب الذي ظل حكراً لهم طيلة فترة تأسيس الدولة العراقية منذ عام 1921 لغاية عام 2003 م, وربما كلام السفير الامريكي ان صح بان السنة سوف يستعيدون دورهم في الحكم يشي بهذابنوع من التامل .وفي هذه الحالة فأن حسم رئاسة الوزراء يزداد صعوبة، خصوصاً بالالتفات إلى مايلي :
1- ان الداخل السني سيشهد تنافساً كبيراً على الموقع خصوصا مع الخلاف الخليجي الذي يشطر الموقف السني الى شطرين متساويين و لما له من أهمية ( تاريخية) عندهم.
2- سيمكن السنة من التاثير في القرار السيادي لانهم يفكرون جديا في انتزاع صلاحيات واسعة من رئيس الوزراء لصالح رئيس الجمهورية وتظهر تلك الصلاحيات من اليوم الاول في تكليف رئيس الجمهورية رئيس الكتلة الاكبر لتشكيل الحكومة وفق متبنياتهم ومع ما ينسجم مع مشروعهم ورويتهم السياسية للدولة العراقية وسوف تستمر الجدليات بين السنة والشيعة على الصلاحيات والمهام المناطة بكل منهم ويستغرق الجدل ادق التفاصيل التي كانت موجلة ومعطلة وممنوعة ومحظورة فيما يخص المكون السني عن شكل الدولة والعديد من فقرات الدستور والموسسات التي اقرت (هئية اجتاث البعث والمسائلة والعدالة ) والفقرات الدستورية التي هي محل خلاف بما فيها ما يتعلق بعودة حزب البعث والمادة (7) وغيرها . الى ان يتم افراغ رئاسة الوزراء من محتواها الجوهري الدستوري.
ثالثا : المكون الكردي
1- الكرد يمكن في ظل التباين بينهم والخلافات العميقة بين السنة والشيعة وفي ظل الرغبة السنية بتبديل المواقع السيادية ان يقبل البعض منهم برئاسة البرلمان لانه يوفر لهم فرصة التاثير في القرارات والتشريعات الا ان اربيل يمكن ان ترفض ويكون هذا المتغير لاربيل عقدة جديدة في العلاقة بين اربيل وبغداد لان الكرد سيعتبرون ذلك تحدياً جديداً لهم وخطوة ممنهجة لابعادهم عن الصدارة واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية بعد شعورهم بالخسارة و(الهزيمة) أمام بغداد .
2- هذا الأمر ينفع السيد مسعود بارزاني للحصول على تأييد داخلي يمد من عمره السياسي لفترة أطول.
3- ويمكن ان يدفع- هذا لقرار – بالمكون الكردي جميعا الى مزيد من الاصرار على الانفصال ويوحد رويتهم للسير بهذا الاتجاه ان تمكن القادة الكرد من توحيد صفوفهم ورويتهم ولقي مشروعهم موافقة دولية واقليمية وان كان مستبعدا الا انه في كل الاحوال يكون فرصة لمسعود لاقناع الشعب الكردي بالانفصال في ظل توظيف الحدث كمظلومية كردية جامعة لهم.
4- في ظل التفكك الذي عليه الموقف السياسي الشيعي وفي ظل تفكك موقفهم السياسي سوف ينحصر مستقبلهم بين البقاء في ظل ما تستقر عليه نتائج الحوار الشيعي السني وبين التصعيد الكبير لسقوف مسعود مستغلا اي خلل في حقوق المكون الكردي ليتموضع اكثر في كردستان ويستعد لطرح افكاره الخاصة التي اما ان تمزق اللحمة الوطنية او الجغرافيا العراقية.
رابعا : الموقف الوطني
سيشهد الموقف السني والكردي والشيعي جدلا مزدوجا وخلافات مزدوجة بين المكونات وبين بعضها البعض مما ينذر بمتغيرات كثيرة وعسرة في انجاز تشكيل الحكومة وما يرافق ذلك من اشتراطات واتفاقات وصفقات تضر ببنية الدولة وتماسكها تفتح ثغرات كبيرة الى المحيط واللاعبين الدوليين والاقليميين الدخول على الخط كمنقذ ومشرع ومعيد لرسم الخريطة وفق المصالح الخارجية لتلك الدول سيما ان المحيط الخارجي الان واكثر من اي وقت مضى له حضورا متعددا وبتجليات مختلفة اكثر من حضور الحوار الوطني .