بعد 15 عاما في السلطة، أصبح شيعة العراق الذين كانوا يوما صفا واحدا في معركتهم ضد قمع صدام حسين على مدى عقود، منقسمين بشكل عميق تتنازعهم مشاعر خيبة الأمل في قادتهم السياسيين.
وفي معاقل الشيعة في العراق، يوجه الكثيرون الذين كانوا يصوتون دون تفكير على أسس طائفية استياءهم إلى الحكومات المتعاقبة التي قادها الشيعة والتي يقولون إنها فشلت في إصلاح البنية التحتية المتداعية وتوفير وظائف أو حتى إنهاء العنف.
وتهدد الانقسامات داخل صفوف الطائفة الآن بتفتيت الأصوات الشيعية في انتخابات مايو أيار الأمر الذي قد يعقد عملية تشكيل حكومة وربما يؤخرها ويهدد المكاسب التي تحققت ضد تنظيم الدولة الإسلامية ويتيح لإيران التدخل بشكل أكبر في الشأن السياسي العراقي.
وفي محافظة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط يقول موفق عبد الغني (81 عاما) وهو مدرس متقاعد إنه يشعر بخيبة أمل من أداء قادة الشيعة منذ سقوط صدام في 2003.
وقال ”أنا انتظر صدام يسقط من سنة السبعين حتى العراق يملك زمامه. شلون إنت انتظر مجيئك، شلون إنت تضربني هذه الضربة القاضية؟“
وأضاف ”شوف الزبالة. ذباب. هذه النقرة وراك. البصرة خراب قبل عشرين سنة لكن تعتبر عمار بالنسبة للوضع الحالي“.
وفي مدينة النجف المقدسة حيث يوجد ضريح الإمام علي وحيث يعيش المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني أهم مرجع شيعي في العراق يسود إحساس مشابه بالاستياء وخيبة الأمل.
في منتصف ليلة الثالث عشر من أبريل نيسان عندما بدأت الحملات الانتخابية بشكل رسمي انطلقت جحافل من النشطاء الحزبيين لوضع ملصقات دعائية على كل الجدران والمساحات المتاحة. وفي بعض الحالات وضع النشطاء الملصقات على صور معلقة لتكريم ذكرى من سقطوا في المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال عباس سعد (29 عاما) وهو عاطل عن العمل ”شالوا الشهداء ورفعوا النشالين“.
حتى السيستاني يبدو غير راض عن أداء الساسة وأصدر فتوى في الآونة الأخيرة تدعو الشيعة بشكل ضمني للتصويت لصالح دماء جديدة.
وقال السيستاني في فتواه ”المجرب لا يجرب“. ويعتبر ملايين الشيعة فتاوى السيستاتي مقدسة.
* جيل جديد
بموجب ترتيب غير رسمي لتقاسم السلطة معمول به منذ سقوط صدام ينبغي أن يكون رئيس الوزراء من الأغلبية الشيعية ويكون رئيس البلاد من الكورد ورئيس البرلمان من السنة.
في السابق ورغم عدم فوز أي حزب بما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة بمفرده فقد كان هناك عادة زعيم شيعي واحد يتمتع بما يكفي من الدعم لتشكيل حكومة ائتلافية.
أما هذه المرة فيوجد ثلاثة مرشحين شيعة بارزين: رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي روج لحكومة أكثر شمولا وسلفه المتهم بالطائفية نوري المالكي الذي فشل في توحيد صف العراقيين وهادي العامري وهو قائد عسكري مقرب من الحرس الثوري الإيراني ويعتبره كثيرون بطل حرب.
وإذا لم تسفر الانتخابات عن فائز واضح فقد تحظي إيران بفرصة أكبر للعب دور الوسيط بين الأحزاب الشيعية وتؤثر على اختيار رئيس الوزراء بينما قد يستغل تنظيم الدولة الإسلامية أي فراغ في السلطة ويلعب على شعور السنة بالتهميش.
وخلال حفل تخرج جامعي في النجف رقص عشرات الشبان تحت كرة ديسكو براقة واستمعوا إلى الشعر في قاعة مزدحمة. وخلال الحدث الذي رعاه عدنان الزرفي وهو محافظ سابق يخوض الانتخابات ضمن قائمة ائتلاف النصر التي يقودها العبادي كان الحديث عن احتواء الجميع.
ويمثل الشبان الذين تبلغ أعمارهم 27 عاما أو أقل نحو 60 في المئة من العراقيين ويقول الكثير من الشبان في المناطق الحضرية إنهم يريدون حكومة علمانية مما يسلط الضوء على الانقسامات داخل قاعدة الناخبين الشيعة.
وقال علي رضا وهو طالب ”أنا ضد التصويت بطريقة طائفية“.
وقائمة ائتلاف النصر بقيادة العبادي والتي وصفها الزرفي بأنها ”عابرة للطائفية“ هي الوحيدة التي تنافس في الانتخابات في كل محافظات العراق وعددها 18.
وأضاف رضا في مقهى قريب وقد أحاط به شبان يلعبون البلياردو ”فرص العمل، الحريات، تحسين التعليم، دعم الرياضة. هذه أولويات الشباب… الأغلبية الشيعية مسؤولة أن تخلق آليات لطمأنة المكونات الأخرى باعتبارها أغلبية. اليوم طرحنا حكومة تكامل. هذا يعني أن الجميع يجب أن يكون مُمثلا“.
* حكم الشيعة
على بعد ساعة من النجف في الكربلاء المدينة المقدسة التي تستقبل 30 مليون زائر شيعي سنويا لا ينظر لتقاسم السلطة مع السنة والكورد على أنه حل.
وقال منتظر الشهرستاني الذي يدير مدرسة لرجال الدين الشيعة ”الأكثرية في العراق أكثرية شيعية، طبيعي أن تكون رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة بيد الشيعة“.
ورغم عدم إجراء إحصاءات منذ فترة طويلة فقد أظهرت أرقام أمريكية منذ عام 2003 أن التقسيم السكاني العراقي هو ما بين 48 و60 في المئة من الشيعة العرب وما بين 15 و22 في المئة من السنة العرب و18 في المئة من الكورد وتتألف البقية من مجموعات أخرى.
وقال الشهرستاني إنه رغم ضرورة حماية حقوق الأقليات فإن الحكومة ينبغي أن تكون دوما شيعية. ويعبر موقفه هذا عن رأي شائع بين الشيعة المتدينين.
ويخوض الكثيرون حملاتهم الانتخابية على أساس هذه المشاعر وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي ينظر له السنة الكورد باعتباره طائفي وقمعي.
كما يحمل كثير من الشيعة المالكي المسؤولية عن خسارة ثلث أراضي العراق لصالح تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 قبل أن يحل محله العبادي. لكنه لا يزال يتمتع بشعبية بين آخرين ينسبون له الفضل في توقيع الحكم بإعدام صدام حسين.
* رجال الله
في الحيانية إحدى أفقر مناطق البصرة يعتزم علي خالد التصويت لتحالف الفتح الذي يقوده العامري. وسيحذو الكثيرون في منطقته حذوه.
لقي شقيق خالد حتفه وهو يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية لصالح منظمة بدر التي يقودها العامري وهي فصيل تدعمه إيران وإحدى الجماعات التي ترعاها الدولة والتي تشكل ما يعرف بقوات الحشد الشعبي التي ظهرت استجابة لفتوى من السيستاني دعا فيها لمحاربة الدولة الإسلامية.
ويحصل خالد على 675 دولارا في الشهر كتعويض من الحشد الشعبي عن وفاة شقيقه لكنه لا يشكر الحكومة الحالية على ذلك.
يقول خالد ”الحشد رجال يطيعون الله. ماكو روتين مثل الحكومة…العامري حارب معنا، ترك منصبه كوزير ليحارب من أجلنا. أكل أكلنا، عاش معنا“.
لكن كثيرين يرون أن ولاء العامري، الذي يعلق مرشحو قائمته صور الزعيم الأعلى الإيراني السابق آية الله روح الله خميني والزعيم الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي في مكاتبهم، لإيران أكثر منه للعراق.
وقال عبد الغني المدرس المتقاعد في البصرة ”أجدع إنسان بالعراق هو العامري. لكن العامري هو يد إيران الضاربة بالعراق. وجود العامري برئاسة الوزراء أعتقد يلغي العراق كدولة حاصلة على السيادة.“
*معقل مهمل
على مدى سنوات كانت محافظة البصرة قاعدة تأييد للقادة الشيعة لكن سكان البصرة طفح بهم الكيل.
وتنتج البصرة نحو 3.5 مليون برميل من النفط يوميا أي الغالبية العظمي من ثروة العراق النفطية وما يوازي أكثر من 80 في المئة من الموازنة الاتحادية.
لكن الكثيرين في المدينة لا يعتقدون أنهم يحصلون على حصة عادلة من إيرادات الحكومة التي توزع على 18 محافظة ويقولون إن الفتات الذي يحصلون عليه يبدده المسؤولون المحليون.
ولا تصلح مياه المدينة للشرب كما أن طرقها مهملة وتغرق المخلفات شوارعها. وكان نهر العشار الذي يقسم المدينة في الماضي مصدر رخاء لسكانها لكنه الآن يفيض بالقمامة.
ولا توجد وظائف إلا فيما ندر ولا تتوفر المستلزمات المدرسية والمعدات الطبية. لكن المدينة لا تعاني نقصا في ملصقات المرشحين الشيعة.
وفي المنزل ذاته بالحيانية حيث كان يتحدث خالد قال جاره وهو جندي في وحدة خاصة تتبع وزارة الداخلية إنه لن يدلي بصوته حتى لقائده العام العبادي.
لكن كثيرين لا يزالون يعتزمون التصويت للعبادي وإن كان ذلك لدوافع عملية أكثر من حبهم له. ويصفه البعض بأنه ”أفضل السيئين“.
وجلس الجندي، الذي طلب عدم نشر اسمه والذي أصيب أثناء قتال الدولة الإسلامية في الموصل العام الماضي، على الأرض وهو يحتسي الشاي وكانت ساقه لا تزال في جبيرة اضطر لدفع ثمنها بنفسه.
وقال ”بعد الإصابة كان في زيارات ووعود لكن ماكو شيء في الأخر. أنا ما عندي ثقة في الحكومة ولا البرلمان“.
وقال غالبية من أجرت رويترز مقابلات معهم في البصرة إنهم لن يصوتوا. وقال رجلان طلبا عدم نشر اسميهما إنهما يعتزمان بيع أصوات أفراد أسرتيهما لأعلى سعر فقط للمساعدة في إيجاد ما يسد رمقهم.
وقال أحدهم ”أنا جوعان، عندي ثمانية أصوات في عائلتي جاهز أبيعهم“.