في العراق دولة فاشلة وشعب مختطف

    في العراق دولة فاشلة. تعجز تلك الدولة عن الخروج من مستنقع الفساد. رئيس حكومة تلك الدولة يكاد أن يعترف أنه أينما تلفت من حوله لا يرى إلا الفاسدين. وهو يتعامل مع اعاقته كما لو كانت قدرا.

    لقد تمكن الفاسدون من مفاصل تلك الدولة وفصلوها على مقاساتهم.

    وما من سبيل لتغيير المعادلات القائمة إلا عن طريق قلع تلك الدولة وليس عن طريق تغيير الحكومة من خلال الانتخابات. ذلك لأن صناديق الاقتراع في دولة يديرها الفاسدون ستظل مثقوبة.

    ولكن من يمكنه سوى الشعب أن يقتلع تلك الدولة؟

    إذا كان رئيس الحكومة لا يخفي عدم تفاؤله بإمكانية الإصلاح بسبب هيمنة قوى الفساد على الدولة فلمَ لا يبادر الشعب بنفسه إلى اسقاط تلك الدولة التي يشكل وجودها مناسبة لاستمرار النهب المنظم؟

    من المستغرب فعلا أن يتخذ شعب موقفا سلبيا من مسألة تمس حياته المباشرة وتتحكم بمصير أجيال عراقية قادمة، ستنظر إلى الماضي بغضب.

    لا اعتقد أن أحدا هناك يفكر في انبعاث المخلص أو ظهور المهدي حسب الرواية المذهبية لكي يعيد الأمور إلى نصابها ويزيل الفساد بضربة سحرية من يده ويقيم دولة العدل.

    تلك ملهاة ترددها أيضا أوساط الفاسدين ممن اتخذوا الدين عباءة يخفون تحتها الصفقات التي أتخمت خزائنهم الشخصية بالأموال المنهوبة.

    ما يجري هناك لا يمكن تلخيصه فقط من خلال الرجوع إلى افتقار المجتمع إلى الأهداف المشتركة التي تجمع بين أفراده. وهو واقع حال عملت الأحزاب الطائفية على صناعته وتكريسه من خلال تدمير الحلول العملية لمشكلات الواقع واحلال حلول دينية محلها تعتمد على المرويات المذهبية.

    هناك شيء ما حدث لكي يكون الشعب مقتنعا بتأجيل فكرة قيام دولة أصلا. وهو ما يسر للفاسدين الاستغراق في صفقاتهم التي أدت إلى تضييق الخناق على مفردات الموازنة العامة حيث لا اعمار ولا خدمات ولا بنية تحتية ولا تعليم ولا بناء ولا ضمان صحي.

    لقد فرض الفاسدون نوعا من العلاقة بين الشعب والدولة تقوم على عدم استرضاء الشعب بل على استغفاله باعتباره كيانا قطيعيا.

    اما إذا كان الشعب مخطوفا عن طريق الدعاية الدينية فإن دائرة الخذلان التاريخي تكتمل بوجود القوى التي تدير ماكنة الفساد بطريقة احترافية.

    وكما أرى فإن استمرار الدولة الفاشلة لا يمكن أن يقع إلا في ظل استسلام الشعب لخاطفيه. فهل استسلم الشعب العراقي للفاسدين؟

    ما لا يمكن توقعه قد يقع في أية لحظة.

    فإذا كان الزج بداعش طرفا في المسألة العراقية قد مثل ضربة قاصمة للتمرد السني فإن انتفاضة شعبية شيعية مدعومة بعصيان كردي لا بد أن تؤدي إلى انهيار الدولة الهشة التي لا تملك غطاء شعبيا.

    غير أن أي تحول جذري من ذلك النوع لا يمكن أن يقع في ظل استمرار الهيمنة العقائدية التي تمارسها المؤسسة الدينية.

    لقد تحالفت المؤسسة الدينية مع الأحزاب الحاكمة بطريقة تبدو من الخارج كما لو أن تلك المؤسسة تمارس دور الوصاية على الأداء السياسي. وصاية يمكن أن توضع بين قوسين. ذلك لأن الضوء لا يسلط على تلك المؤسسة إلا حين تكون هناك حاجة للسياسيين في القيام بذلك. بالمعنى الذي يجعل من المؤسسة الدينية بكل ما أضفي عليها من قداسة مجرد واسطة للسيطرة على الشعب.

    وما لم يكتشف الشعب من خلال نخبه المتعلمة حقيقة الدور المراوغ الذي تلعبه المؤسسة الدينية فإن الأوضاع المعيشية في العراق ستزداد سوءا من غير أن ينجح الشعب في انهاء حالة الخطف التي تعرض إليها.

    ستظل الدولة الفاشلة قائمة ما دام هناك شعب خطفت المؤسسة الدينية عقله.

    وهو ما سيتيح للفاسدين الاستمرار في إدارة الأزمة مستعينين في كل مرة يتعرضون فيها للشك بالمرويات الدينية التي تسوغ الفقر والجهل والمرض والتخلف وانهيار القيم المدنية.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة