كان للإمام الصادق (عليه السلام) تلميذ اسمه علي بن يقطين , وكان من اتباعه المخلصين ، وقد اضطرّته الظروف لأن يصبح وزير المالية لهارون الرشيد في بغداد.
مرّة أحبّ علي بن يقطين ان يذهب الى الحج , وقد علم أن الامام جعفراً الصادق (عليه السلام) قد سبقه الى الحج ، فجهز نفسه وحمل معه زاده ومتاعه ودراهمه , وتوجه الى مكة .
فلما وصل الى ظاهر بغداد وجد امرأة فقيرة ذات اطفال أيتام , فرقّ لهم قلبه , وأعطاهم كل ما معه , ورجع الى بغداد.
ولما انتهى موسم الحج ورجع الناس الى ديارهم , جاء رفاقه من الحجاج يزورونه في داره , فتعجب منهم وقال لهم : لكني لم أذهب الى الحج.
قالوا : كيف تقول هذا يابن يقطين , وقد رأيناك في الحج تطوف حول الكعبة وتسعى بين الصفا والمروة ، أنسيت حين أقمنا في جبل عرفات , ثم ارتحلنا الى المزدلفة , ثم نزلنا من مِنى؟!
وفي الواقع ان عليا بن يقطين لم يذهب الى الحج , ولكن الله تعالى بعث مكانه ملكاً في هيئته ينوب عنه في الحج , فكتب له فضيلة الحج , وذلك لان نيته كانت متعلقة بالحج.
والنبي (صلى الله عليه واله ) يقول : (انما الاعمال بالنيات , وانما لكل امرئ ما نوى).
ولما ذهب الناس الى دار الامام الصادق (عليه السلام) يهنئونه بعودته من الحج , سألوه عن الحجاج وكثرتهم في ذلك العام.
فقال (عليه السلام): (ما اكثر الضجيج واقل الحجيج ؛ ما حججت الا انا وناقتي وعلي بن يقطين).
تأتي العبرة من اعادة هذه القصة المروية لكي نفهم انه ليس المهم في كثرة وتعدد الذهاب للحج والعمرة ، بل المهم هو التوجه الحقيقي الى الله ومرضاته وعدم اخذ حق الآخرين وسلبهم حقوقهم المادية او الاجتماعية .
مع كل موسم جديد للحج يتكرر سيناريو ذهاب نحو مئات والوف المسؤولين في السلطات التنفيذية او التشريعية مع عوائلهم وآخرين من الميسورين واصحاب العلاقات لاداء فريضة الحج ، ما يسبب ردة فعل شعبية تدين استئثار المسؤولين وتكرار ذهابهم وعوائلهم لاداء مناسك الحج ومزاحمتهم للمواطنين واستقطاع حصص دون وجه حق من الذين ينتظرون عدة سنوات حتى تأتيهم فرصة الحج وربما تتجاوز اعمار بعضهم الستين دون ان يكون له حظ في ظهور اسمه في القرعة ، بينما يذهب المسؤولين وعوائلهم والمتنفذين و عوائلهم إلى الحج بشكل دوري سنوي، واغلب هذه المقاعد تستقطع من حصة المواطنين البسطاء ، على هيئة الحج والعمرة ان تخصص مقاعد الطبقة السياسية وممن تمنحها المملكة السعودية مقاعد مجانية لساسة او رجال أعمال وإعلاميين وفنانين وغير ذلك بعيدا عن استقطاعها من حصة مقاعد المواطنين وخاصة ان كل عام تتكرر هذه الظاهرة التي غدت عرف سياسي واجتماعي لدى الطبقة الحاكمة دون ان تأخذ الجهات الرقابية دورها في محاسبة المسؤولين المقصرين او ممن لديهم علاقات مشبوهة في حصولهم المتكرر على مقاعد حج وكأنها واقع حال لا يمكن ان يمسها احد.