الحياة التي نعيشها رحلة قصيرة وخير زاد في هذه الرحلة ( التقوى )، وبها يقنع الإنسان بما يكفيه ويسد رمقه ، ولا يلتفت وهو يقطع الطريق القصير المؤدي به الى جوار ربه سبحانه وتعالى للمغريات الكاذبات التي تروق للآخرين ، فيتهاتفون عليها تهافت الفراش على ضوء سراج سرعان ما ينطفيء ، فاذا بهم في ظلام لا يرون فيه موقع اقدامهم ، ولا يستطيعون ان يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام .
ان المؤمن لا يربت على اكتاف الآخرين ويتملقهم من اجل حطام يوشك ان يزول ، فهو دائما يرى ما لا يراه الآخرون ،انه يرى الحياة على حقيقتها ويزنها بميزان دقيق ، فلا يجد ما يحرص على اقتنائه والاستئثار به من متاع الدنيا إلا بما يرضي الله عز وجل ، ان كرامته وعزته هي التي تقف حائلا بينه وبين طلب ما في أيدي الآخرين الذين اطبقوا ايديهم على متاع الدنيا ثم فتحوها في لحظات النزع الاخير ، فأذا هي خالية من كل شيء ، وكأنها لم تمتليء بما كسبته من متاع الدنيا وما كسبته إلا السراب في الارض اليباب .
ان اهم ما يتميز به المؤمن الذي خبر الحياة وعرف حلوها ومرها فأنكشف له عن الغطاء إنما هو الاباء والعز ، وهل يقدر عز المؤمن بثمن ، ان كل ماسواه هو رخيص يسير الثمن بل ان الدنيا ومافيها لا تعدل في نظر المؤمن جناح بعوضة فالمؤمن يأكل ليعيش وليس يعيش ليأكل .
ان الغنى الحقيقي للإنسان السوي هو عزته وكرامته ، وأننا نجد اليوم كثيرين من يتحدثون عن الاخلاق والمباديء وقد يلقون مواعظهم وحكمهم في كل واردة وشاردة يتباهون بخلقهم وأمانتهم وينتقدون الآخرين والمسيئين ويشهرون بهم، لكن حين تنظر إلى افعالهم تجدها بعيدة كل البعد عن التنظير الذي يدعونه بل أسوء ممن يشهرون فيهم .
الايمان هو تصديق القلب بالله وبرسوله ، وهو التصديق الذي لايرد عليه شك ولا ارتياب فالقلب متى تذوق حلاوة الايمان واطمأن اليه وثبت عليه لا بد من دفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب في واقع الحياة في دنيا الناس ، يريه ان يوجد مناسبة بين ما يستشعر في باطنه من حقيقةالايمان ، وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الايمانية في حسه والصورة الواقعية من حوله لان هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة ، وخير ما يزين النفس هو القناعة بما لديها وان كان قليلا وغناها عن الناس لانه الغنى الحقيقي ، وإما غيره فهو الفقر كل الفقر وان كانت تملك كل شيء ثمين .