الأقنعة السياسية   ناجي الغزي/ كاتب سياسي  

     

    مسرح السلطة

    تساقطت أقنعة اغلب السياسيين على مسرح السلطة والكراسي المخملية وخسروا سيرهم, وشوهوا تاريخهم وتنكروا لكل المسلمات والمبادئ التي كانوا يتشدقون بها في الاروقة الفقيرة ويشقّون بها أفئدة الناس السذج. وتحول البعض منهم الى مشاريع خراب وفساد متهافتين على بريق السلطة ومنافعها ومزاياها التي لا تقاوم. وهذا التحول السياسي الذي طرأ على هؤلاء جعلهم يظلون الطريق ويذبحون القيم والمبادئ على عتبة السلطة من أجل تحقيق مآربهم الذاتية ومنافعهم الشخصية.

    لذلك اندهش الجميع بهذا التحول السياسي والسقوط الأخلاقي لهذه الشخصيات التي كانت في ظاهر تعابيرها واقولها عصامية وملائكية، باعتبارها تعتمد وتستند في حواراتها السياسية الى مدرسة الاخلاق ومعارضتها للمواقف اللاأخلاقية للنظام الدكتاتوري البعثي. لذلك تفقد كل المدارس الأخلاقية والفلسفات الفكرية سماتها وصفاتها الإنسانية عندما لا تتسق الاقوال بالأفعال..

     

    القراءة والتقييم

    هؤلاء جعلونا ان نعيد النظر في قراءة القيم ومفهوم المبادئ ونتلمس رؤوسنا ونتحسس افكارنا ونجوب داخل أروقة تصوراتنا ونسرح في خيالاتنا. ونرصد أساليب الخداع وتهييج الجماهير وسرقة هتافاتهم الحارة المحشوة بالمبادئ الوطنية والثورية.

    وكشفت لنا التجارب ان السياسة أحيانا تجعل الشخص مجنون ومهووس وحانق لحد الغباء في طرق التفرد بالقرار وضرب الوعود والعهود عرض الحائط, والتنصل عن الخطابات الرنانة تاركين الجماهير مشدودة في حيرة من أمرها. كما يظهر البعض من هؤلاء على شاشات الفضائيات كالملاك الطاهر أو الحمل الوديع لينفض يده من غبار الخراب والفساد ويتبرأ من ضجيج السنوات متمسكا بذرائع التحديات ومبرراً افعاله ومخالفاته للظلامات التاريخية التي سببت الأزمات والاختناقات في الدولة والسلطة.

    لذلك يدعو البعض من هؤلاء الى اصلاح النظام وتغيير فلسفة الحكم وتغيير العلاقة بين المواطن والدولة، وقد بات الشعب على يقين ان هذه الأحزاب غير جادة في دعوتها وغير قادرة على فعل أي تغيير إيجابي, او اصلاح واقع النظام السياسي, لأن اغلب اختباراتها مشوهة وغير كاملة وتحتاج الى بيئة صحية معقمة وخالية من بكتريا الأنا والعقد السيكولوجية والاجتماعية.

    لذلك تلجأ الأحزاب السياسية الى تزييف الفرضيات بشكل ملحوظ واغواء واغراء الشخصيات المستقلة واستقطابهم في مواسم الانتخابات بهدف توطيد سلطتها وتكريس شرعيتها, وزجهم في مستنقع الفساد واشراكهم في الخراب, لطمس مفهوم الاستقلال السياسي وحرق أسماءهم واوراقهم. وغالبا ما تأتي استجابة الشخصيات المستغلة بدوافع ذاتية وطموحات شخصية وتأطرها بأهداف وطنية. وقد برع هؤلاء في خلط الأوراق وحرقها على رقعة الشطرنج الوهمية. والتلاعب والتحايل على النخب والشخصيات المستقلة، امام سكوت وسذاجة الجماهير وانتهازية بعض النخب أصحاب المغامرات المدرسية الذين لا يميزون بيت المتن والهامش.

    وللأسف تلك الأحزاب وقادتها سحقت دماء الشهداء وتاريخها النضالي باقدامها المجوفة, وسلبت حقوق وتضحيات المؤمنين بقضية الوطن وبمبادئ الحرية من أبناء الانتفاضة الشعبانية وغيرهم, وتسلقوا على اكتاف أصحاب الاصوات الصادقة والاقلام النظيفة والشريفة المؤمنة بمشروع دولة القانون ودولة الانسان في لحظات الغفلة. مستغلين بلاهة الشارع وسذاجة الناس, ومتجاهلين الحقائق الراسخة في نفوس الشعب، وبعد كل هذا الفشل والخراب لازالوا يزعمون بان الشعب هو غطاءهم ولحافهم وهذه فرية فاضحة ومؤلمة وقاسية.

    ولا يمكن ان يستمر مسلسل الاحتيال والتجاهل والتسويف والتهميش, واللامبالاة السياسية والاجتماعية. والعبور الى مرحلة الاستخفاف بالمواقف المعارضة لهذا الفهم والسلوك الاعمى, باستنزاف الشخصيات الوطنية النافذة في صناعة الرأي العام. لذا على قوى الرأي ان تستغل الرياح الخارجية والظروف الداخلية لتعيد حساباتها وتقييم تفكيرها السياسي و وعيها الفلسفي, و تجتهد اكثر وتتفاعل مع الحادبون من أبناء الشعب أصحاب فلسفة التاريخ لا يصنعه الجبناء الذين يتسيدون الشوارع والساحات ويجيدون القراءة والتقييم لنصب الغرابيل والمناخل لإسقاط الأقنعة السياسية وقواعدها المزيفة من أصحاب الملذات الزائلة والمصالح السائدة.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة