مساعي اقليمية لحل ازمة الاحتجاجات والصدر يعود الى طهران مرغما و تخويل احد مساعدية بالتواصل مع الحكومة

    زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، في العاصمة الإيرانية طهران. عاد الرجل إلى هناك بعد «رحيل قسري» لم يدم طويلاً، وحديث عن لقاء مطوّل جمعه بقائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني، في مدينة النجف، جنوبي العاصمة بغداد. مناخاتٌ إيجابية جدّاً نتجت عن اللقاء الذي استكمل بأكثر من لقاء جمع عدداً من القيادات «الصدرية»، المعنيّة بالرعاة الإقليميين للعملية السياسية، وتوصّلهم إلى تفاهماتٍ من شأنها تعزيز الحكومة الاتحادية ورئيسها، عادل عبد المهدي، وإطلاق عجلة الإصلاح الحكوميّ، ستشمل في أبرزها، وفق معلومات «الأخبار»، تعديلات وزاريّة مهمة، وإقرار قانون انتخابي منصف يحظى بإجماع القوى السياسية، ويأخذ أيضاً بملاحظات الجهات «المؤثّرة» في القرار السياسي.

    تشير المعلومات إلى أن طهران، رغم الحديث السابق عن توجيهها رسالةً قاسيةً إلى الصدر، أعربت عن ترحيبها «الدائم» به، فـ«إيران بلده الثاني، وأبوابها مفتوحةٌ للجميع ساعة ما يشاؤون». وتؤكّد المعلومات أن الإدارة الإيرانية ومن يعاونها ترى في الصدر «عنصراً أساسياً في أي حلٍّ للأزمة السياسية القائمة»، في ظل تعويل عدد من القوى السياسية على دور «فعّال» يلعبه الرجل، ومن شأنه «تهدئة (فئة واسعة من) الشارع أوّلاً، وامتصاص غضبه ثانياً، وتوجيهه بالخروج منه ثالثاً»، وذلك لمنح الحكومة فرصةً للعمل الجاد وإطلاق يدها لتنفيذ وعودها الإصلاحية، وسط تأكيداتٍ، وحتى ضمانات، «جدّية» بأن يلعب كُلّ من كتلتي «الفتح» بزعامة هادي العامري، و«سائرون» المدعومة من الصدر، دوراً إيجابيّاً في مراقبة الأداء الحكومي و«تقويمه» سريعاً.
    عودة الصدر تزامنت أيضاً مع حديث عن منحه أحد مساعديه هامشاً واسعاً للتفاهم مع الحكومة في الشقّ المتعلّق بالشارع والتظاهرات، بالتوازي أيضاً مع حديثٍ آخر عن «حذر يبديه الصدر حيال الشارع الملتهب». وعليه، لا يريد «الزعيم الشاب» أي «انكسار له أمامه»، خصوصاً أن مواقفه قد تبدّلت كثيراً على مدى الأسابيع الأربعة الماضية، وقد تتبدّل في الأيام المقبلة. لذا «من الضروري الحفاظ على هيبة الصدر… بابتعاده عن الأضواء، وتخفيفه حدّة بعض منابره الإعلامية»، والتعاون «جديّاً» لضبط الشارع الذي بدا أنّه آيلٌ إلى هدوء تدريجي «بطيء نوعاً ما»، وفق مصادر أمنية تصف موجات المتظاهرين بأنها أقرب إلى «المدّ والجزر»، إذ قدّرتها أمس في مختلف المحافظات الجنوبية بأكثر من 15 ألفاً، في وقتٍ تشدّد فيه مصادر أخرى على وجود «جهة ما» تدير المتظاهرين، وتعتمد حاليّاً على مبدأ «إلهاء القوات الأمنيّة بقطع أكثر من جسر يربط ضفتي العاصمة، إضافةً إلى جسر الجمهورية» الرابط بين «المنطقة الخضراء» و«ساحة التحرير»، حيث يتكرّر المشهد على أكثر من جسر، لإدخال العاصمة في حالةٍ من «الشلل التام».
    هذا ما يفسّره بعض الجهات الأمنية بالقول إن «هناك سيناريوات يحاول المخربون العمل وفقها لإبقاء الشارع مشتعلاً»، علماً بأن القوات الأمنية (إلى جانب الحكومة) استعادت جزءاً من معنويات «فُقدت» نتيجة الضغط الإعلامي الهائل ضدها، وتأكيد مصادر عاملة في مكتب عبد المهدي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «رئيس الوزراء خطٌّ أحمر… وهو باقٍ في منصبه»، رغم ما يُشاع عن تبديله أو استقالته أو حتى إسقاطه. تأكيدات تزامنت أيضاً مع معلوماتٍ أمنيّة تفيد بإلقاء القبض على مجموعةٍ تضم لبنانيين وعراقيين، وتموّل عدداً من المتظاهرين في «التحرير» ومدن أخرى، وهي مرتبطة بإحدى الدول الخليجية، إذ تدير «أنشطةً خطيرة تستهدف الدولة وقواتها الأمنية».
    على خطٍّ موازٍ، تأخذ الاحتجاجات أشكالاً متعدّدةً، غايةً وأسلوباً، كان آخرها تعليق الدروس في المدارس والجامعات، وإعلان نقابات المعلمين والمهندسين والمحامين والأطباء إضراباً عاماً بالتزامن مع مواصلة المحتجين إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى ميناء أم قصر، أقصى جنوب البلاد، أحد المنافذ البحرية الرئيسية لاستيراد المواد الغذائية والطبية وغيرها. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدرٍ في الميناء قوله إن «12 سفينة انسحبت بعد انتظار تفريغ حمولتها في الميناء، إلى مكان آخر»، فيما أشارت مصادر إلى مقتل خمسة أشخاص، وسقوط عشرات الجرحى، في عموم البلاد.

    أكّد عبد المهدي «الحق في التظاهر السلمي» رغم التعدي على القوات الأمنية

    بدوره، أكّد عبد المهدي «الحق في التظاهر السلمي، رغم تعرّض أعداد من الخارجين على القانون للقوّات الأمنيّة»، لافتاً، في بيان أمس، إلى أن «هذه الجماعات لا علاقة لها بالتظاهرات بل تتستّر بها، وتستخدمها كدروع بشرية لأعمال قطع الطرق والحرق والنهب والاشتباك مع القوّات الأمنية، مستخدمةً قنابل المولوتوف والمنجنيق وحتى القنابل اليدوية والأسلحة النارية والسكاكين وغيرها». وبينما دعا عبد المهدي إلى ديمومة التظاهر السلمي لـ«يتمكّن من النجاح ضد نظام المحاصصة والامتيازات والفساد ولتجاوز منهج التعطيل الذي يؤخر الإنجاز الذي يطالب المتظاهرون به»، مع أنه لم يتطرق إلى أي خطوة إصلاحية، طالب بـ«عودة الحياة إلى طبيعتها، لتفتح جميع الأسواق والمصالح والمعامل والمدارس والجامعات أبوابها، من دون أن يكون للتظاهرات تأثيرٌ في الحياة والمصالح العامة والخاصة». كما حذر في الوقت عينه من «تهديد المصالح النفطية، وقطع البعض الطرق إلى موانئ العراق، لأن ذلك يتسبب في خسائر كبيرة تتجاوز المليارات، ويؤخر وصول البضائع… هذا وغيره يرفعان الأسعار التي يدفع ثمنها المواطنون كافة، والفقراء خاصّة، ويعطل توفير فرص العمل».
    الناقوس الذي دقّه رئيس الوزراء يُفسّر ـــ في ضوء مساعي «الحلحلة» ــــ بأن الرجل يريد «كسر ما يُعمل لشلّ الحياة في البلاد»، وأن هناك انطلاقة جادّة لجولة قد تكون «قاسيةً» من المواجهة الميدانية، رغم «الضبط الكبير» الممارس من القوّات الأمنية مقابل المتظاهرين. أمام هذا المشهد، يبدو أن الحكومة عازمةٌ على ضبط الشارع بُعيد الانتهاء من الأزمة، وتجفيف حجج التظاهرات، والتفريق «الحاسم» بين السلمي والمخرّب من المتظاهرين.

    شاركـنـا !
    
    التعليقات مغلقة.
    أخبار الساعة